قالت صحيفة إيكونوميست البريطانية إن وتيرة فرار الأموال من بنوك إسرائيل إلى مؤسسات أجنبية تضاعفت في الفترة بين مايو/أيار ويوليو/تموز الماضيين، وسط استعداد المستثمرين “للسيناريو الكابوس” إذا ابتلعت الحرب تل أبيب والقدس المحتلة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المستثمرين غير متأكدين من قدرة إسرائيل على التعافي، فالشيكل متقلب والبنوك الإسرائيلية تعاني من هروب رأس المال.
وبحسب الصحيفة، تفيد أكبر 3 بنوك إسرائيلية بزيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى أو ربطها بالدولار، مضيفة أنهم مستسلمون لتدهور الأمور إلى الأسوأ.
ورأت الصحيفة في تقرير لها أن وضع اقتصاد إسرائيل صار أكثر صعوبة مقارنة بالفترات الأولى للحرب على غزة، فقد نما ناتجها المحلي الإجمالي 0.7% فقط بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران الماضيين على أساس سنوي، أي أقل بنحو 5.2 نقاط مئوية عن توقعات خبراء الاقتصاد، وفقا لوكالة بلومبيرغ للأنباء.
وفي 16 سبتمبر/أيلول الجاري اضطر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى مطالبة المشرعين بالموافقة على زيادة طارئة في العجز، لتكون المرة الثانية التي يقدم فيها مثل هذا الطلب هذه السنة، وفق ما لفتت إليه الصحيفة البريطانية.
ويعد إسراف سموتريتش واندلاع مواجهات أشد ضراوة (جنوب لبنان) مبعث قلق للمستثمرين، ففي 23 سبتمبر/أيلول الحالي شنت إسرائيل غارات جوية على الحدود اللبنانية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص، وفقا لمسؤولين محليين.
جاء ذلك في أعقاب حوادث انفجار أجهزة النداء “البيجر” وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها حزب الله، مما أسفر عن مقتل 39 شخصا، فضلا عن أشهر من الهجمات الصاروخية التي شنها الحزب على المستوطنات الإسرائيلية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأموال بدأت في الفرار من إسرائيل، فبين مايو/أيار ويوليو/تموز الماضيين تضاعفت التدفقات الخارجة من البنوك الإسرائيلية إلى المؤسسات الأجنبية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي إلى ملياري دولار، في وقت يشعر صناع السياسات الاقتصادية في البلاد بقلق أكبر مما كانوا عليه منذ بداية الصراع.
إلى حافة الهاوية
وذكرت إيكونوميست أن أي اقتصاد في زمن الحرب يتضرر بصورة عميقة، إذ يتعين على الحكومة تمويل قواتها المسلحة، غالبا من خلال الإنفاق بالعجز، مع ضمان بقائها قوية بما يكفي لسداد ديونها عندما تضع الحرب أوزارها.
أما “السيناريو الكابوس” بالنسبة لإسرائيل -حسب الصحيفة- فهو صراع ينتشر ليصل إلى القدس المحتلة وتل أبيب المركزين التجاريين الرئيسيين، لكن حتى حرب أقل وطأة تقتصر فيها المواجهة على شمالي إسرائيل قد تكون كافية لدفع اقتصادها إلى حافة الهاوية.
وأوضحت الصحيفة أن الإنفاق الحكومي الإسرائيلي الذي لا حدود له لا يجدي معها نفعا، ففي مارس/آذار الماضي عندما كان الجيش يأمل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بحلول يوليو/تموز الماضي قدّر الجنرالات أنهم سوف يحتاجون إلى 60 مليار شيكل (16 مليار دولار، أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي) فوق ميزانيتهم العادية، ثم زيادة دائمة قدرها 30 مليار شيكل (8 مليارات دولار) سنويا للتعامل مع الوضع الأمني الجديد.
ومنذ ذلك الحين ومع استمرار القتال استمرت توقعات العجز في الارتفاع، وصار من المتوقع الآن أن يصل العجز إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو ما يقارب 3 أمثال ما كان متوقعا قبل الحرب.
حتى حرب أقل وطأة تقتصر فيها المواجهة على شمالي إسرائيل قد تكون كافية لدفع اقتصادها إلى حافة الهاوية
وأشار التقرير إلى أن بلوغ ديون إسرائيل في يناير/كانون الثاني الماضي نحو 62% من الناتج المحلي الإجمالي (أقل من المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) يعني للمستثمرين أن سموتريتش يتمتع بمساحة صغيرة للمناورة، لكن إذا استمرت الحرب السنة المقبلة فسوف يتدهور الوضع المالي.
ولفتت الصحيفة إلى أن حاملي السندات الإسرائيلية يريدون التأكد من وجود مساحة كافية لمزيد من الإنفاق الحربي، لذا فإن سقف الديون المقبولة لإسرائيل أقل من سقف الديون المقبولة في الدول المماثلة، كما تشعر وكالات التصنيف الائتماني بالقلق كذلك، إذ تقول كل من وكالتي فيتش وموديز إنهما قد تخفضان تصنيف إسرائيل مجددا بعد أن فعلتا ذلك مرة واحدة هذا العام.
مشكلة أسوأ
يجعل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش -وهو مستوطن في الضفة الغربية ينتمي حزبه إلى اليمين المتطرف في إسرائيل- المشكلة أسوأ، فمن المستبعد أن يطلب من الجيش خفض التكاليف.
كما رفض اتخاذ تدابير أخرى لكبح جماح العجز، إما بخفض الإنفاق في بنود أخرى أو زيادة الضرائب، ولا تزال دولة الرفاه الإسرائيلية مستمرة في التوسع الاقتصادي، وقد استفاد السكان المتدينون (الحريديم) والمستوطنون (حلفاء سموتريتش) من المزيد من الإعانات والمساعدات لإبقاء الرجال في منازلهم، وفق الصحيفة.
ووعد سموتريتش بتوفير 35 مليار دولار العام المقبل، لكنه لم يذكر من أين سيأتي أغلب هذا المبلغ.
تصاريح العمل وتراجع صناعة البناء بإسرائيل
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل رفضت إصدار تصاريح العمل لنحو 80 ألف عامل فلسطيني بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولم يتم استبدالهم، ونتيجة لذلك تراجعت صناعة البناء 40% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، الأمر الذي أعاق إلى حد كبير بناء المساكن وإصلاحها.
وفي الوقت الحالي كان التأثير الأكبر على التضخم الذي بلغ معدله السنوي 3.6% في أغسطس/آب الماضي بعد أن تسارع خلال الصيف، وإذا زادت هجمات حزب الله فإن نقص عمال البناء سوف يصبح مشكلة أكبر، وفق الصحيفة.
ورأت الصحيفة أن المستثمرين غير متأكدين من قدرة إسرائيل على التعافي، فالشيكل متقلب والبنوك الإسرائيلية تعاني من هروب رأس المال، وتفيد أكبر 3 بنوك إسرائيلية بزيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى أو ربطها بالدولار، ولكن على الرغم من أن التضخم لا يزال أعلى من المستهدف فإن البنك المركزي اختار تثبيت سعر الفائدة السابق في اجتماع السياسة النقدية في أغسطس/آب خوفا من إعاقة التعافي.
مع سيناريو الحرب الشاملة سوف تقفز نفقات الجيش إلى مستويات كبرى، وربما يؤدي فرار المستثمرين إلى الإطاحة بالبنوك وإسقاط الشيكل
“السيناريو الكابوس”
أما ما ذكرت الصحيفة أنه “السيناريو الكابوس” فيتمثل في أن قليلا من المستثمرين يستعدون لحرب قد تشمل إسرائيل كلها، بما في ذلك القدس المحتلة وتل أبيب.
وفي ظل هذا السيناريو سوف يتضرر النمو الاقتصادي بشدة، وربما حتى أكثر مما حدث بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وسوف تقفز نفقات الجيش إلى مستويات كبرى، وربما يؤدي فرار المستثمرين إلى الإطاحة بالبنوك وإسقاط الشيكل، مما يضطر بنك إسرائيل إلى التدخل وإنفاق احتياطياته.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أنه أيا كان ما سيحدث فإن خبراء الاقتصاد الإسرائيليين مستسلمون لتدهور الأمور إلى الأسوأ، وحتى سموتريتش -الذي يميل عموما إلى التفاؤل- فإنه يبدي الآن شعورا بالإنهاك، قائلا “نحن في أطول وأغلى حرب بتاريخ إسرائيل”.