طهران– في مفارقة صادمة، تتفاقم أزمة الكهرباء خلال الصيف الجاري في إيران النفطية المصدرة للطاقة، لتغزو القطاع المنزلي بعد أن كبدت القطاعات الصناعية خسائر كبيرة وتسببت بتعليق العمل في عدد من المحافظات تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة.
وبعد تعافي قطاع الطاقة في إيران -عقب السنوات القليلة التي تلت فترة الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980)- لم تعهد الأجيال الجديدة في هذا البلد المصدر للنفط والغاز انقطاع الكهرباء عن القطاع المنزلي، بيد أن المشكلة تفاقمت هذا العام بعد أن بدأت في الظهور في الأعوام الأخيرة.
ودأبت الحكومة السابقة على قطع الطاقة عن البلدات الصناعية من أجل توفيره للقطاع المنزلي، لكن ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف الجاري دفعها لتقييد إمداداته في المؤسسات الحكومية والإدارية قبل أن تضطر لتقنينه وقطعه عدة ساعات يوميا عن المنازل لتخفيف استهلاكه، وذلك بعد أن كانت تصدر الفائض منه إلى بعض دول الجوار.
هل درجات الحرارة السبب؟
يكشف رئيس مجلس إدارة نقابة الشركات المنتجة للكهرباء، حسن علي تقي زاده، عن عجز يبلغ 17 ألف ميغاوات في البلاد، منتقدا السياسات الحكومية التي قلّصت استثمارات القطاع الخاص منذ سنوات، محذرا في الوقت ذاته من مغبة عدم استقطاب 20 مليار دولار استثمارات لمعالجة الأزمة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وإلى جانب تقارير وزارة الطاقة الإيرانية التي تقدر متوسط استهلاك الكهرباء في البلاد بمستوى عالي، يقول الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء الوطنية مصطفى رجبي مشهدي، إن الطلب على استهلاك الكهرباء خلال أغسطس/آب الجاري حطم الرقم القياسي المسجل صيف العام الماضي، إذ تجاوز في 24 أغسطس/آب عتبة 77 ألف ميغاوات.
من جانبه، يحدد علي أكبر محرابيان وزير الطاقة السابق -قبيل تسليمه مقاليد إدارة الوزارة إلى خلفه عباس علي آبادي- نسبة زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف الجاري في بلاده بحدود 9% مقارنة مع العام الماضي، عازيا السبب إلى القبة الحرارية التي تخيم على البلاد.
أسباب العجز
في غضون ذلك، يذكر الباحث الاقتصادي عبد الرضا داوري، أسبابا عدة لعجز الكهرباء في إيران، بعضها طبيعية مثل: زيادة الاستهلاك إثر ارتفاع الحرارة، وزيادة عدد مشتركي هذا القطاع، معتبرا هذه الأسباب بأنها مؤقتة.
لكنه يرى أن المشكلة الأساسية تكمن في: تراجع الاستثمار في قطاع إنتاج الكهرباء منذ سنوات.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعزو الباحث الإيراني سبب تقلص الاستثمار في محطات توليد الكهرباء إلى العقوبات والضغوط الأجنبية على الاقتصاد الوطني طوال العقد الأخير مما أدى إلى تهميش مشاريع صيانة وترميم محطات الطاقة وانخفاض كفاءتها الإنتاجية والعزوف عن إطلاق مشاريع جديدة كان قد خطط لها لسد العجز الموجود.
ويشير داوري إلى أن عجز الكهرباء في إيران بلغ مؤخرا نحو 20 ألف ميجاوات موضحا أن هذه النسبة تتطلب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار كان ينبغي أن تبدأ قبل سنوات بالتدريج للحد من تراكمها، لكنها لم تحدث بعد.
وعما إذا كانت صادرات طهران من الكهرباء إلى العراق قد أسهمت في تزايد الهوة بين إنتاج الكهرباء والاستهلاك، يقول داوري إن صادرات الكهرباء إلى دول الجوار ومنها العراق قليلة جدا ولا تتجاوز 2% من إجمالي الكهرباء المنتجة في البلاد، في حين أن نسبة هدر الطاقة في منظومة النقل والتوزيع تبلغ نحو 8% منها.
وفضلا عن خروج عدد من محطات توليد الطاقة المتهالكة عن مدار إنتاج الكهرباء خلال السنوات الماضية، فإن الجفاف الذي يعصف بإيران منذ حوالي عقدين عرقل وتيرة إنتاج المحطات الكهرومائية.
خسائر كبيرة
وعلى غرار عجز الغاز خلال فترة الشتاء، فإن قطع الكهرباء عن البلدات الصناعية كبّد العديد من المصانع خسائر فادحة نتيجة انخفاض الإنتاج، إلى جانب الأضرار التي لحقت بقطاعات الزراعة والصحة والخدمات وكذلك إعطاب الأجهزة المنزلية جراء الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.
في غضون ذلك، يذكّر عطاء الله هاشمي عضو مجلس التسعير واعتماد سياسات الدعم للمحاصيل الزراعية، بسياسة الحكومات السابقة التي لطالما حثت المزارعين على استخدام الكهرباء بدلا من الديزل لاستخراج المياه من الآبار، مؤكدا أن خسائر القطاع الزراعي جراء الانقطاع اليومي للكهرباء بلغت 4000 تريليون ريال (95 مليون دولار)، مطالبا الحكومة بتحمل تلك الخسائر.
من ناحيته، طالب حميد رضا فولادكر، رئيس المجلس التوجيهي للتحسين المستمر للأعمال، الجهات المعنية بتعويض الخسائر التي لحقت بالمصانع جراء قطع الكهرباء عن البلدات الصناعية وإلزام الحكومة بتسديد مستحقات القطاع الصناعي وفقا للمادة 25 من قانون تحسين بيئة الأعمال.
الحكومة والتسعير
من ناحيته، يرى الباحث الاقتصادي عسكر سرمست، أن حجم الخسائر الناتجة عن انقطاع الكهرباء تختلف من قطاع إلى آخر، لكنه يرى أن مصانع إنتاج الصلب والنحاس والألمنيوم هي الأكثر تضررا جراء أزمة الكهرباء في حين أن قطاع التعليم يكاد لا يتأثر بها بسبب العطلة الصيفية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد سرمست أن أزمة الطاقة تتسبب بشكل غير مباشر في تراجع الاستثمار في القطاعات الصناعية وتحرم الاقتصاد الوطني من المشاريع التي تبقى حبرا على ورق بسبب خشية المستثمرين من الخسائر المحتملة جراء اتساع الهوة بين إنتاج الكهرباء والاستهلاك.
ورأى، أن معالجة أزمة الكهرباء ممكنة عبر الحد من هدر الطاقة، وتنويع مصادرها، ودعم مصادر الطاقة المتجددة نظرا لما تحتويه البلاد على مواقع ملائمة عديدة لإنتاج طاقة الرياح وتمتعها بمناخ مشمس طوال العام تقريبا.
ولدى إشارته إلى هيمنة القطاع الحكومي على شبكة إنتاج الكهرباء، يرى المتحدث نفسه في نظام التسعير الرسمي تحديا لا يشجع القطاع الخاص على الاستثمار في قطاع الكهرباء، مطالبا بتحسين الإدارة وتقليص الحوكمة في هذا القطاع.