القاهرة- تعيش الأسر المصرية اليوم حالة من القلق المتزايد بشأن إمكانية إلغاء بطاقات التموين التي تعتبر شريان حياة ملايين المواطنين لتلبية احتياجاتهم الأساسية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وزيادة أسعار الخدمات الأساسية المدعمة.
وجاءت تصريحات مقرر لجنة الاستثمار بالحوار الوطني (حكومية) الدكتور سمير صبري، حول وجود عملية “غربلة” لبطاقات التموين، لتطلق شرارة قلق كبير بين المواطنين، الذين يخشون من فقدان هذا الدعم الحيوي.
صبري أشار إلى أن بطاقات التموين تمت غربلتها (تصفيتها) أكثر من مرة خلال السنوات الماضية وتقلص عدد المستفيدين إلى 60 مليون بدلا من 70 مليون ورغم ذلك يرى أن كل الأعداد الحالية لا تستحق الدعم وهو ما أثار القلق بين المواطنين حول معايير الحذف التي قد تُطبق مستقبلا.
معايير الاحتفاظ ببطاقة التموين في مصر
من بين تلك المعايير المثيرة للجدل وجود تكييف في المنزل واستهلاك عدد معين من الكيلووات من الكهرباء، واستهلاك الإنترنت المنزلي، وعدد الهواتف المحمولة داخل كل أسرة، وما يملكه من سيارة أو عقار .
ومنذ عام 2016 فرضت الحكومة المصرية ما يسمى بمعايير خاصة لتمحيص وتدقيق أعداد المستحقين للدعم والتشديد فيها من خلال تضييق المعايير وتصفية مستحقي الدعم وحذفهم من بطاقات التموين بشكل مستمر، ونجحت في حذف أكثر من 10 ملايين فرد ووضع عراقيل أمام قيد مستحقين جدد رغم تردي الأوضاع الاقتصادية.
من بين تلك المعايير المشددة حذف:
- من يتقاضى راتب شهري نحو 10 آلاف جنيه (حوالي 200 دولار الآن).
- من لديه سيارة موديل 2014 فأحدث.
- من يزيد استهلاكهم من الكهرباء عن 650 كيلوواتا.
- من يدفع مصروفات مدرسية لأحد أبنائه بـ30 ألف جنيه أو أكثر (حوالي 600 دولار فقط).
وفي ظل تدهور قيمة الجنيه المصري وارتفاع تكلفة المعيشة، تعتمد ملايين الأسر على بطاقات التموين لتوفير الاحتياجات الأساسية.
ما الذي توفره الدولة من تموين في مصر؟
- 50 جنيها (حوالي دولار واحد) للمواطن شهريا لـ4 أفراد لكل بطاقة.
- ما زاد عن 4 أفراد يتم صرف 25 جنيها للفرد الواحد.
- توفر الخبز المدعم بواقع 5 أرغفة للمواطن يوميا بقيمة 20 قرشا للرغيف.
كم يكلف الدعم موازنة الحكومة المصرية؟
تتضمن موازنة العام المالي الحالي 2024-2025 مخصصات مالية لدعم السلع التموينية بقيمة حوالي 134 مليار جنيه (حوالي 2.7 مليار دولار)، ارتفاعا من 127 مليار جنيها (4 مليارات دولار بسعر الدولار حينها) مقارنة بالعام الماضي وكانت كالتالي:
- 91 مليار جنيه لدعم رغيف الخبز.
- 36 مليار جنيه لدعم البطاقات التموينية.
ويستفيد أكثر من ثلثي المصريين البالغ عددهم حوالي 110 ملايين نسمة من دعم الخبز والسلع التموينية على النحو التالي:
- 69.5 مليون الأفراد المستفيدين من دعم الخبز.
- 61.8 عدد الأفراد المستفيدين من دعم السلع التموينية.
معايير بطاقات التموين تحت المجهر
وإزاء تلك المخاوف، أكد مستشار وزير التموين لنظم المعلومات والتحول الرقمي الدكتور عمرو مدكور أنه “لا توجد معايير جديدة للحذف من بطاقات التموين في الوقت الحالي”، كلها مقترحات منها ما هو مقبول وما هو مرفوض ومنها ما هو ممكن ومنها ما هو غير ممكن.
وأضاف في حديث للجزيرة نت، أن عملية تمحيص بطاقات التموين وتنقيتها مستمرة من خلال تحديث قواعد البيانات، خاصة أن تنقية قواعد البيانات أو تكامل قواعد بيانات الدولة هو موضوع تحت الدراسة بشكل متأنٍ.
وأكد مدكور أن أي تعديل في المعايير سيأخذ بعين الاعتبار أن تكون وفق قواعد عادلة يرضاها المجتمع وتتوافق مع حالة المواطن، وستؤخذ التطورات الاقتصادية الأخيرة الناجمة عن تعديل سعر صرف الجنيه في الحسبان بدون شك.
وكشف وزير التموين والتجارة الداخلية شريف فاروق، على هامش جولته بمحافظة الفيوم، أنه لم يتم وضع أي معايير جديدة حتى الآن، وأن معايير العدالة الاجتماعية معلنة بالفعل.
وكانت الحكومة المصرية توعدت بالحذف من التموين من يسرق التيار الكهربائي، وكانت وزارة الكهرباء أعلنت أنه تم إرسال بيانات 300 ألف سارق للتيار الكهربائي إلى وزارة التموين والتجارة الداخلية، تمهيدا لرفع الدعم عنهم.
ومن أجل تقليص فاتورة الدعم وتوفير حوالي 13.5 مليار جنيه (275 مليون دولار)، زادت الحكومة المصرية، للمرة الأولى منذ 3 عقود، سعر رغيف الخبز المدعم من 5 قروش إلى 20 قرشا، بنسبة زيادة 300% وذلك اعتبارا من الأول من يونيو/حزيران الماضي.
تحذيرات
وحذر رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء محمود العسقلاني من تبعات أي قرار يتعلق بالتوسع في معايير الحذف من بطاقات التموين، وقال: “الاقتراب من هذا الملف في هذا التوقيت فيه من الخطورة ما يجعلني أحذر الحكومة من ذلك أو مما أسميه (الاستغضاب) المجاني. ما ستوفره الدولة من أموال لا يستحق عواقب زيادة غضب الشارع”.
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت أن هناك أسبابا عديدة لهذا التحذير منها أن جزءا كبيرا من الطبقة الوسطى تآكلت والجزء الآخر يقاوم التآكل، وجزء من الطبقات المستورة تحولت إلى “مقهورة” نتيجة الأوضاع الاقتصادية الأخيرة وبالتالي- يضيف العسقلاني- نحن أمام تغيرات في السلم الاجتماعي ربما تُحدث شكلا من أشكال القلاقل بالتراكم في وقت قريب أو على المدى المتوسط.
وتابع: من واقع نبض الشارع وتآكل مدخرات المواطنين، ندعو الحكومة إلى التريث والتركيز على تحسين أوضاع المواطنين والمرور من الأزمة الاقتصادية، خاصة أن أسعار الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والوقود والمياه والمواصلات زادت أكثر من مرة.
الفقر يخيم على الأجواء في مصر
بلغ معدل الفقر في مصر 29.7% في آخر إحصاء أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2020، وتوقعت دراسة مستقلة أجرتها مستشارة الجهاز هبة الليثي، ارتفاع مستوى الفقر إلى 35.7% في عام 2022-2023.
ويتوقع البعض أن تزيد نسبة الفقر عن هذه الأرقام، في ظل عدم إعلان أي أرقام رسمية جديدة، بعد نحو عامين من أسوا أزمة اقتصادية تمر بها البلاد أسفرت عن انهيار الجنيه من مستوى 15.7 جنيها إلى حوالي 49 جنيها، ومضاعفة أسعار جميع الرسوم والخدمات بنسب لا تقل عن 100%.