يعد الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق تهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي ومواجهة الصين، بالإضافة إلى خفض الضرائب على الأفراد والشركات، حال فوره بالمقعد الرئاسي.
لكن منتقدي ترامب يحذرون من أن هذه السياسات قد تضر بالاقتصاد الأميركي وتزيد من التوترات الدولية، كما قد تؤدي لزيادة الأسعار وإلحاق الضرر بالعائلات ذات الدخل المنخفض.
وذكر الكتاب كولبي سميث وكلير جونز وجيمس بوليتي في تقريرهم الذي نشرته صحيفة فايننشال تايمز، أن ترامب تعهد في تجمع انتخابي في توكسون بولاية أريزونا في وقت سابق من هذا الشهر بإنهاء “الفوضى والبؤس” الذي كان الأميركيون يعانونه في ظل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، ووعد بخفض الضرائب وتكاليف الطاقة وأسعار الفائدة والتضخم.
واستمر ترامب في انتقاد إدارة بايدن ونائبته كامالا هاريس بسبب أزمة غلاء المعيشة في البلاد منذ أن أطلق حملته الانتخابية لفترة رئاسية ثانية.
العلاج الجمهوري
ويقدم الرئيس السابق العلاج الجمهوري التقليدي خلال حملته الانتخابية المتمثل في تخفيضات ضريبية جديدة، لكنه طور هذه المرة أجندة سياسة اقتصادية أكثر شعبوية تم تصميميها لتصويره كمدافع عن مصالح العمال العاديين والتصنيع المحلي.
وأفاد الكُتّاب أن المحاور الرئيسية لما يسميه ترامب (ماغانوميكس) تشمل فرض رسوم جمركية أكثر صرامة على الواردات من جميع أنحاء العالم، وخاصة من الصين، وحملة صارمة على الهجرة، كما يدفع خطاب الحملة نحو مزيد من التأثير السياسي على السياسة النقدية والدولار.
“ماغانوميكس” maganomics هو مصطلح حديث يحمل دلالات سياسية واقتصادية، فهو مزيج من “make america great again” (maga)، شعار حملة الرئيس السابق دونالد ترامب، و”economics” (الاقتصاد).
ورغم صعوبة التمييز بين ما هو (خطة) وما هو (تهديد) وما هو (حيلة تفاوضية) في خطاب ترامب الانتخابي، فإن الاقتصاديين من جميع المشارب يتفقون على أن أجندة ترامب تمثل امتدادا أكثر تقليدية للسياسات التي تم تقديمها خلال فترة ولايته الأولى ما بين 2017 و2021.
غير أنه إذا فاز في الانتخابات ونفذ هذه الخطط بالفعل، فإنها ستعيد تشكيل اقتصاد الولايات المتحدة وعلاقتها مع بقية العالم بشكل جذري.
وأشار الكُتّاب إلى أن المنتقدين يحذرون من أن هذه السياسات ستلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد ولن تساعد الولايات المتحدة على منافسة الصين.
ووفقًا لجيسون فورمان، وهو خبير اقتصادي سابق في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وهو الآن أستاذ في جامعة هارفارد، فإنه إذا نفذ ترامب نصف ما وعد به، فإن النتائج بالنسبة للاقتصاد الأميركي ستكون فوضوية، وأكد أن فرض رسوم جمركية على جميع الدول من شأنه أن يمزق كتلة الدول التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في مواجهة الصين.
وسارع الديمقراطيون، الذين تأثروا بالانتقادات الموجهة إليهم بسبب سجلهم في مجال التضخم، إلى الادعاء بأن سياسات ترامب المقترحة ستؤدي إلى ارتفاع إضافي في الأسعار وستلحق الضرر بالاقتصاد.
وقالت هاريس في المناظرة: “لقد وصف 16 من الحائزين على جائزة نوبل خطته الاقتصادية بأنها ستزيد من التضخم، وبحلول منتصف العام المقبل، ستؤدي إلى ركود اقتصادي”.
ويشعر بعض مؤيدي ترامب بالقلق من الآثار الدولية المترتبة على تبني أميركا مثل هذا النهج الحمائي القوي.
حاجة إلى التجارة
ويقول آرثر لافر، الاقتصادي المقرب من ترامب: “أنت بحاجة إلى التجارة، خاصة مع أعدائك. أنا لا أقول أن نبيع أسلحة نووية إلى كيم جونغ أون، ولكنك تحتاج إلى أن يكون لديك تجارة حتى يتحدث الناس مع بعضهم البعض، ويحبون بعضهم البعض، وتشتري منهم، ويشترون منك”.
وأكد أن العقوبات والتهديدات بالتعريفات الجمركية ليست الطريقة الصحيحة، بل هي طريق نحو الحرب العالمية الثالثة.
وأفاد الكُتّاب أن (ماغانوميكس) تعتمد في جوهرها على أفكار من شأنها أن تقلب العديد من جوانب النموذج الاقتصادي المعتمد في الاقتصادات الصناعية خلال القرن الماضي رأسا على عقب؛ وإذا ما تم تطبيقها، فإنها تمثل العودة إلى حقبة كان فيها جزء كبير من الإيرادات الحكومية يأتي من التعريفات الجمركية التجارية، بدلا من الضرائب على دخول الناس وأرباح الشركات.
ويعتقد إرني تيديشي، مدير الاقتصاد في مختبر ييل للميزانية والمسؤول السابق في مجلس المستشارين الاقتصاديين لبايدن؛ أنه “من الواضح أنه (في إشارة إلى ترامب) يفكر في إحداث تغيير جذري في نوع توازن مصادر الإيرادات في النظام الضريبي الأميركي، وبالتالي، تغيير الطريقة التي نفكر بها في التجارة في الولايات المتحدة وعلاقتنا مع شركائنا التجاريين. هكذا كنا نفعل الأشياء في القرن 19، وليس في القرن 20، ناهيك عن القرن 21”.
وخلال فترته في البيت الأبيض، فرض ترامب التعريفات الجمركية على الصين بقوة، وتم الإبقاء على الكثير منها في عهد بايدن.
لكن الأفكار التي يتم النظر فيها الآن تشير إلى أن ولاية ترامب الثانية قد تشهد فرض مستويات مرتفعة من الرسوم على الواردات لم نشهدها إلا خلال ثلاثينيات القرن الماضي بعد إقرار قانون سموت هاولي التاريخي للتعريفة الجمركية الحمائية.
وبعد أن قال ترامب في البداية إنه يريد فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة، قال مؤخرا إنها قد تصل إلى 20%، أما بالنسبة للواردات الصينية، فقد تحدث عن فرض تعريفة جمركية بنسبة 60%، وقال هذا الشهر إن الدول التي تخطط لتقليل اعتمادها على الدولار ستُفرض عليها رسوم جمركية بنسبة 100% كعقاب لها.
استعادة التصنيع
ولا تقتصر آمال ترامب على زيادة الإيرادات فحسب، بل تمتد أيضا إلى استعادة التصنيع الأميركي، وقد قدرت وزيرة الخزانة جانيت يلين هذا العام بأنه تم فقدان مليوني وظيفة في قطاع التصنيع الأميركي منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001.
وقال ترامب لمجلة تايم في أبريل/ نيسان الماضي: “عندما يأتون ويسرقون وظائفنا، ويسرقون ثرواتنا، فإنهم يسرقون بلدنا. أنا أسميه طوقا حول البلاد”.
وأكد الكُتّاب أن هذه السياسة لها تكاليف باهظة، إذ تشير حسابات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن إلى أن فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 20% مع تعريفة جمركية بنسبة 60% على الصين سيؤدي إلى زيادة تصل إلى 2600 دولار سنوياً في ما تنفقه الأسرة العادية على السلع، ويقول إن التعريفات الجمركية ستؤثر بشكل غير متناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض التي يدعي ترامب أن سياساته الاقتصادية تساعد على حمايتها.
وقد تعيق التعريفات الجمركية النمو كذلك وفقا لبعض الاقتصاديين، فتقول جوليا كورونادو، الخبيرة الاقتصادية السابقة في بنك الاحتياطي الفيدرالي: “في المرة الأخيرة التي كنا فيها في حرب تجارية في عهد ترامب، دخلت دورة التصنيع العالمية في حالة ركود”.
وتقول ماري لوفلي، وهي إحدى مؤلفات دراسة معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إن ثمة خطر يتمثل في تحول الحواجز التجارية إلى أداة سهلة الاستخدام، مضيفة أن التعريفات الجمركية لا تظهر في ميزانية الحكومة، رغم أنها تمثل دعمًا للمنتجين المحليين، كما أنها في الوقت نفسه ضريبة على المستهلكين، لكن العديد من الناخبين لا ينظرون إلى التعريفات الجمركية على أنها ضريبة”.
لكن على الرغم من هذه التكاليف المحتملة، إلا أن العديد من الناخبين يؤيدون التعريفات الجمركية، خاصة في الولايات المتأرجحة ذات الكثافة التصنيعية العالية مثل ميشيغان.
ويقول نيلسون ويستريك، وهو عامل في شركة فورد يعيش في مقاطعة ماكومب بالقرب من ديترويت: “لا أعرف لماذا لا نفرض تعريفات جمركية على كل شيء يأتي من الصين، وكل شيء من المكسيك أيضًا”.
وذكر الكُتّاب أن مستشاري ترامب يزعمون أن التعريفات الجمركية ستوفر الأموال اللازمة لدعم أحد الركائز الأساسية في صناعة السياسة الاقتصادية الجمهورية – التخفيضات الضريبية.
وعلى وجه التحديد، تخطط إدارة ترامب الثانية لجعل التخفيضات الضريبية التي أُدخلت خلال فترة رئاسته الأولى دائمة، ويؤكد الجمهوريون أن التخفيضات الضريبية لعام 2017 على الدخل والاستثمار، والتي من المقرر أن تنتهي في عام 2025، ستسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، مما سيساعد في معالجة عبء الديون المالية المتزايدة للحكومة الأميركية.
وأفاد ستيفن مور، الخبير الاقتصادي المقرب من ترامب بأن “أهم شيء لحل الديون هو تسريع نمو الاقتصاد. إن هناك الكثير في أجندة ترامب من شأنه أن يساعد على تحقيق ذلك. بالإضافة إلى خفض معدلات الضرائب في نمو الاقتصاد، وإنتاج المزيد من الطاقة، وتحسين الصفقات التجارية. كما تحدث ترامب عن إلغاء مئات المليارات من الدولارات من برامج الطاقة الخضراء، والذي من شأنه أن يوفر الكثير من المال”.
وأضاف مور: “لا أستطيع أن أشير إلى برنامج حكومي واحد يريد الديمقراطيون التخلص منه، وتحدث ترامب عن مئات البرامج والميزانيات التي (كان ليقضي عليها)”.
ومع ذلك، يشير العديد من خبراء الاقتصاد إلى أن أرقام حملة ترامب لا تتوافق مع الواقع. ويوضح موري أوبستفيلد، زميل معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، قائلا: “لطالما قيل إن التخفيضات الضريبية ستمول نفسها، ولكن هذا لم يحدث قط”.
وقال الكُتّاب إن خبراء الاقتصاد يزعمون أن هذه التخفيضات قد تزيد من إجهاد المالية العامة المتوترة بالفعل في الولايات المتحدة.
ونقل الكُتّاب عن مارك زاندي، كبير خبراء الاقتصاد في موديز أناليتيكس، قوله: “ستؤدي التخفيضات الضريبية إلى زيادة العجز، وفي اقتصاد التشغيل الكامل، مثل الاقتصاد الذي لدينا الآن.. سيكون هذا تضخميًا. لن نحقق أي تقدم في معالجة الوضع المالي السيئ للبلاد، وهو مصدر قلق خطير يزداد خطورة يومًا بعد يوم”.
وأضاف الكُتّاب أن الانتقاد الرئيسي لأجندة ترامب هو أنه من شبه المستحيل تغطية تكلفة التخفيضات الضريبية عن طريق التعريفات الجمركية.
وأشار الكتاب إلى أن مجموعة بحثية من نموذج ميزانية (بن وارتون) قدّرت أن خطط ترامب من شأنها أن ترفع عجز الموازنة الأميركية بنحو 5.8 تريليونات دولار على مدار العقد المقبل. وفي الوقت نفسه، قدّرت مؤسسة الضرائب المحافظة أن خطته الجديدة لإعفاء العمل الإضافي من الضرائب الفدرالية ستكلف الولايات المتحدة 227 مليار دولار إضافية من الإيرادات المفقودة على مدار السنوات العشر القادمة.
ومع ذلك، يرى الزميلان البارزان في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أوبستفيلد وكيمبرلي كلاوسينغ، أن الحد الأقصى للإيرادات الإضافية التي قد تجمعها الإدارة عبر فرض تعريفة جمركية بنسبة 50% على جميع السلع سيكون 780 مليار دولار.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال نائب رئيس شركة آي بي إم والمستشار الاقتصادي السابق لترامب في البيت الأبيض، جاري كوهن لشبكة “سي بي إس” إنه لا يرى رغبة في الكونغرس في تمرير خطط ترامب الضريبية، قائلًا: “أعتقد أن ثمة معارضة متزايدة في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ”.
استقلالية الاحتياطي الاتحادي
ويخشى بعض المستثمرين والاقتصاديين أيضا من محاولات ترامب لتقويض استقلالية بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي.
وأفاد الكتاب بأن ترامب انتقد علنا جيروم باول (رئيس الاحتياطي الاتحادي) بشكل متكرر خلال فترة ولايته، حيث تساءل في إحدى المرات عبر تويتر عما إذا كان رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي “عدوًا” أكبر لأميركا من الزعيم الصيني شي جين بينغ.
ولا يزال المرشح الجمهوري يواصل توجيه الانتقادات لباول، إذ صرح الشهر الماضي بأن بنك الاحتياطي الفدرالي “أخطأ كثيرًا”. وأضاف أن خلفيته التجارية تمنحه “غريزة أفضل من -في كثير من الحالات- الأشخاص الذين يتواجدون في بنك الاحتياطي الفدرالي أو من يشغلون منصب الرئيس”.
وفي أعقاب قرار بنك الاحتياطي الاتحادي خلال الشهر الجاري بخفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، أعرب ترامب عن أن هذا القرار يدل على أن الاقتصاد الأميركي إما “سيئ للغاية” وإما أن البنك المركزي “يلعب السياسة”.
وأعرب روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري الأميركي في عهد ترامب والذي لا يزال مستشارا مقربا له، عن رغبته في إضعاف الدولار في محاولة لتعزيز مبيعات السلع الأميركية في الخارج – وهي السياسة التي من المحتمل أن تدعمها الفائدة المنخفضة.