بغداد – رغم مضي نحو 3 سنوات على بدء عمل منصة إلكترونية لمراقبة حركة الدولار، فإن أسعار صرف الدينار مقابل العملة الأميركية لا تزال تعيش تفاوتا كبيرا بين السعر الرسمي المعلن من البنك المركزي والبالغ 1320 دينارا عراقيا للدولار الواحد، وسعر السوق السوداء أو ما يعرف بالسعر الموازي الذي يتراوح بين 1490 و1510 دينارات عراقية مقابل كل دولار.
ومطلع عام 2023، أعلن العراق اعتماد منصة إلكترونية من أجل مراقبة حركة بيع الدولار وعمليات غسيل الأموال، وذلك بعد تحذيرات أطلقها الاحتياطي الفدرالي (المركزي الأميركي)، إضافة إلى معاقبة وزارة الخزانة الأميركية العديد من المصارف المحلية لتورطها في أعمال مشبوهة.
ويقوم عمل المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية التي يديرها البنك المركزي العراقي، في مرحلته الأولى على إعادة تنظيم التحويلات المالية بما يؤمِّن الرقابة الاستباقية عليها بدلاً من الرقابة اللاحقة من خلال قيام الاحتياطي الفدرالي بتدقيق الحوالات اليومية.
وصادق مجلس الوزراء العراقي في السابع من فبراير/شباط 2023 على قرار مجلس إدارة البنك المركزي العراقي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، بما يعادل 1300 دينار للدولار الواحد بعد أن كان 1480 دينارا لكل دولار.
وفي الرابع من الشهر الحالي، أعلن البنك المركزي العراقي عن قرب إنهاء العمل بـ”المنصة الإلكترونية” التي تتم عبرها عمليات تحويل الدولار الأميركي للخارج، مشيرا -في بيان صحافي- إلى أنه خلال العام 2024 ولغاية الآن تم تحقيق ما نسبته 95% من عملية التحويل من المنصة الإلكترونية نحو “البنوك المراسلة”، وذلك يعني أن المتبقي حوالي 5% فقط منها داخل المنصة، والذي سينجز تحويله بالآلية ذاتها قبل نهاية هذا العام وحسب الخطة.
وهذا القرار من البنك المركزي أثار العديد من التساؤلات عن مدى تمكن العراق من منع تهريب العملة الصعبة، وإيقاف عمليات غسيل الأموال ومدى نجاح الإجراءات الاقتصادية في السيطرة على تهريب العملة وضبط السعر في السوق.
الرابحون والخاسرون من تذبذب سعر الصرف
أكد عضو مجلس إدارة اتحاد رجال الأعمال العراقي عبد الحسن الزيادي أن المستفيد الأول من تذبذب سعر صرف الدولار مقابل الدينار بالعراق هم تجار تهريب العملة والمضاربون بالأسعار، مستدركا بأن المتضرر الأول هو العراق والمواطن.
وقال الزيادي -في حديث للجزيرة نت- إن “أزمة الدولار في العراق أثرت على جميع مفاصل الحياة التجارية وغير التجارية”.
وأضاف “التجار تضرروا بسبب صعود سعر صرف الدولار، كما تضرر المواطن أيضا لأن عدم استقرار سعر الصرف هو تدمير لدخل الأسرة وموردها الشهري”.
وتابع “إذا أراد العراق التحرر من هذه الحالة المربكة فينبغي له أولا التخلص من استيراد العديد من السلع والاعتماد على تصنيعها محليا لتقليل الحاجة إلى العملة الصعبة إضافة إلى تطوير الزراعة”.
واعتبر أن “الحكومة العراقية ومعها البنك المركزي هما المسؤول الأول عن فشل منصة بيع العملة”.
استنزاف الأموال
وأشار الباحث بالشأن الاقتصادي وعضو الهيئة العامة لنقابة المحاسبين العراقيين حسين نعمة الكرعاوي إلى أن دخول العراق في نظام “سويفت” الأميركي في العام 2023 كان سببا في عزوف الكثير من التجار عن منصة بيع العملة والتوجه للسوق السوداء خشية حجز أموالهم، إضافة إلى عدم وجود آليات تساعد التجار على تجنب حجز أموالهم.
وقال الكرعاوي للجزيرة نت إن “فرق السعر بين الدولار والدينار في السعر الرسمي أو الموازي يتجاوز 17 نقطة للدولار الواحد، فكيف هو الحال بالمبالغ الكبيرة جدا”، واعتبر أن “هذا الأمر يمثل استنزافا للأموال”.
وأضاف أن “المبيعات تراجعت كثيرا في العراق بسبب تغيير سعر الصرف وعدم وجود سيطرة حقيقية على تقلبات أسعار الصرف بالسوق”، موضحا أن السبب يعود إلى وجود منافذ حدودية خارج سيطرة الحكومة تستغل من قبل بعض عصابات تهريب الدولار.
ورأى الكرعاوي أن “المواطن هو من يدفع ضريبة تذبذب سعر الصرف، فرغم أن التمويلات للسلع المستوردة تكون عبر المنصة بالسعر الرسمي، فإنه فعليا العديد من السلع والبضائع تباع بالسوق المحلية بسعر الدولار الموازي”.
وقال إن المنصة كانت تبيع يوميا ما يصل 280 مليون دولار لكن المبلغ انخفض حاليا إلى ما دون 240 مليون دولار يوميا، مضيفا أن الفارق بين المبلغين يذهب إلى التهريب والسوق الموازي.
وأكد الكرعاوي أن “الحكومة والبنك المركزي اتخذا إجراءات عديدة داخليا وخارجيا لضبط عملية التهريب والسيطرة على سعر الصرف”.
وأوضح أن بعض المصارف تضررت من الحظر المفروض عليها من قبل الفدرالي الأميركي ومن عمليات التهريب، مما ساهم في رفع سعر الصرف بالسوق السوداء، كما بيّن أن خفض سعر صرف الدينار أمام الدولار أضر أيضا بواردات الحكومة، لأن وارداتها تعتمد على بيع النفط واستلام الدولار مقابله ثم بيعه بالمنصة الرسمية للمصارف والتجار.
ضبط المنافذ الحدودية
المتحدث باسم غرفة تجارة بغداد رشيد السعدي رأى أن ضبط المنافذ الحدودية وأتمتة الدوائر المعنية بملف الاستيراد والتصدير هما السبيل الوحيد للسيطرة على تهريب العملة.
وقال السعدي للجزيرة نت إن “هناك جهات حاولت إفشال منصة بيع العملة للاستفادة من التحويلات غير القانونية”.
وأضاف أن “العراق خسر مبالغ كبيرة نتيجة عمليات تهريب البضائع والعملة الصعبة والتلاعب بتقييمات السلع من المنافذ الحدودية”.
أما المواطن أحمد جبار -هو صاحب محلات لبيع المواد الغذائية- فدعا الحكومة العراقية إلى دعم الاقتصاد وتعزيز القدرة الشرائية للمواطن من خلال تقوية العملة المحلية ودعم الصناعة والزراعة المحليتين.
وقال جبار للجزيرة نت إن “البيع بالدولار أثر على السوق العراقية. فنحن نشجع الحكومة لحصر التعامل بالعملة المحلية كونه يسهم في استقرار السوق والحالة الاقتصادية للمواطنين”.