الرباط – انتقلت المبادلات التجارية بين المغرب ودول أفريقيا من 36.3 مليار درهم (3.6 مليارات دولار) سنة 2013 إلى 52.7 مليار درهم (5.2 مليارات دولار) سنة 2023، وتشكل الصادرات المغربية نحو الدول الأفريقية ما نسبته 7.6% من مجموع صادرات المملكة.
ويمثل الفوسفات ومشتقاته أهم الصادرات المغربية نحو أفريقيا، ويأتي بعدها السيارات ثم منتجات الصيد البحري فالمنتجات الجلدية 36%، والمعدات الكهربائية وأخيرا النسيج والملابس.
وكان كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية قد أعلن في البرلمان عن فحوى دراسة تتعلق بالتبادل التجاري بين المغرب وأفريقيا، خلصت إلى إمكانية زيادة الصادرات المغربية نحو دول القارة بنحو 12 مليار درهم (1.2 مليار دولار) إضافية.
ووفق الدراسة، يمكن للصادرات المغربية أن تتعزز بحوالي 4 مليارات درهم (حوالي 400 مليون دولار) وذلك بإضافة 143 منتجا إلى الصادرات الموجهة لدول شمال أفريقيا، ويمكنها أن ترتفع بنحو 6 مليارات درهم (حوالي 600 مليون دولار) في غرب أفريقيا بإضافة 159 منتجا جديدا للصادرات الموجهة نحو هذه المنطقة، كما أظهرت الدراسة أن الصادرات المغربية الموجهة نحو جنوب أفريقيا يمكن أن ترتفع حوالي 1.1 مليار درهم (حوالي 100 مليون دولار) وذلك عبر تصدير 189 منتجا إضافيا.
ويتوقع أن تتعزز هذه الأرقام مستقبلا مع إنشاء منطقة التجارة الحرة الأفريقية التي تضم 53 دولة ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2021.
من جهة أخرى، تمثل دول أفريقيا الوجهة الرئيسية للاستثمارات المغربية، إذ إن 51% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الخارج في الفترة ما بين 2018 و2022 كانت موجهة نحو القارة الأفريقية، حسب تقرير لمكتب الصرف.
وتتصدر السنغال الدول التي تدفقت إليها هذه الاستثمارات في عام 2022، تليها الكاميرون وبوركينافاسو والغابون ثم ساحل العاج.
ووفقا لمعطيات وزارة الاقتصاد والمالية، فقد ارتفعت الاستثمارات المغربية في أفريقيا من 100 مليون دولار في سنة 2014 إلى أزيد من 800 مليون دولار في سنة 2021، مما يجعل المغرب ثاني مستثمر في القارة.
وكان رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب قد أكد خلال الدورة الأخيرة لمؤتمر ميدايز المنعقد في نوفمبر/تشرين الثاني بطنجة، أن الشراكة الاقتصادية للمغرب مع أفريقيا تعززت أكثر في عام 2024، مشيرا إلى أن استثمارات المملكة في القارة بلغت حوالي مليار دولار إلى اليوم.
شراكة في مراحل
وعزا هشام حافظ، أستاذ باحث بمعهد الدراسات الأفريقية في جامعة محمد الخامس بالرباط، ارتفاع حجم المبادلات التجارية بين المغرب وباقي الدول الأفريقية إلى مجموعة من العوامل الداخلية، مشيرا في هذا الصدد إلى السياسة التي تنهجها المملكة في أفريقيا والتي وصفها بأنها “سياسة استشرافية” تتلاءم مع طموحات القارة الأفريقية في إطار أجندة 2063، وكذا خصوصيات المواطن الأفريقي وحاجياته السوسيواقتصادية.
وأوضح حافظ للجزيرة نت أن الشراكة الاقتصادية والمالية المغربية الأفريقية مرت بـ3 مراحل في العقدين الأخيرين، تمتد المرحلة الأولى من سنة 2000 إلى 2016 أي قبل عودة المملكة إلى الاتحاد الأفريقي، وتسمى “الشراكة الاقتصادية الثنائية المتمركزة في الدول الفرنكوفونية”.
وأشار الباحث إلى أن هذه المرحلة تميزت بارتفاع ملحوظ في المبادلات التجارية بين المغرب وباقي الدول الأفريقية بما يقارب 38.3 مليار درهم (3.8 مليارات دولار) سنة 2016، مقابل 8.6 مليارات درهم (حوالي 850 مليون دولار) سنة 2000، أي بارتفاع 21.6% كمعدل سنوي.
وأضاف أن جل الصادرات كانت تتكون من المواد الغذائية والفوسفات ومشتقاته وبعض المواد المصنعة، أما بالنسبة للمبادلات المالية أو الاستثمارات المغربية داخل القارة الأفريقية فكانت متمركزة بالأساس على قطاع البنوك والتأمين والبناء والمواصلات.
وأطلق حافظ على المرحلة الثانية التي امتدت ما بين 2016 و2021 اسم “مرحلة الشراكة الإقليمية المتعددة الأبعاد”، وهي التي تلت عودة المغرب للاتحاد الأفريقي، وحينها قرر التوجه نحو أفريقيا الإنجلوفونية متحديا العراقيل الجغرافية واللغوية، مما نتج عن ذلك إبرام مجموعة من الاتفاقيات الإستراتيجية في مجال الأمن الغذائي.
كما تميزت تلك المرحلة -يوضح حافظ- بانخراط المغرب في مشروع منطقة التبادل الحر القارية الأفريقية التي من شأنها تعزيز المبادلات التجارية والتكامل الاقتصادي مع جل باقي الدول الأفريقية، وهذا ما يؤكد بحسبه، الارتفاع المهم في المبادلات التجارية من 38.3 مليار درهم (3.8 مليارات دولار) سنة 2016 إلى حوالي 52.7 (5.2 مليارات دولار) سنة 2023، أي ما يقارب زيادة بمعدل 38%.
أما المرحلة الثالثة فهي “مرحلة الشراكة القارية الإستراتيجية”، ويقول الباحث إن من شأنها تعزيز التنمية في أفريقيا عن طريق الاستثمار في البنيات التحتية وخلق منصات صناعية لتحويل الموارد الطبيعية داخل أفريقيا في إطار التعاون الأفريقي-الأفريقي، عن طريق تعزيز الاستثمارات في الأقاليم الجنوبية للمغرب لتخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي للدول المنفتحة على المحيط الأطلسي.
ويشير الباحث هشام حافظ إلى وجود عوامل خارجية ساهمت في ارتفاع المبادلات التجارية والاستثمارات ويتعلق الأمر بالثقة والمصداقية التي تحظى بها المملكة، سواء من طرف الشركاء التقليديين أو الشركاء الجدد، إلى جانب التراكمات في مجال التجارب والخبرات التي حصل عليها المغرب في هذه السنوات الأخيرة في مجموعة من الميادين الحيوية التي تعتبر رهن إشارة باقي الدول الأفريقية للاستفادة منها من أجل خلق فرص الشغل والاندماج في سلاسل القيمة الإقليمية والدولية.
توسيع الشركاء
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن تنامي الحضور المغربي في عمقه الأفريقي، يدخل ضمن إستراتيجية المغرب لتوسيع الشركاء، إذ لم يعد يعتمد على الشركاء التقليديين فقط بل وسع علاقاته لتشمل الصين وروسيا ودول أفريقيا، رغبة منه في الانفتاح على أسواق جديدة.
وأشار المتحدث في تصريح للجزيرة نت إلى استخدام المغرب ما أسماه “الدبلوماسية الفوسفاتية” كأداة لتعزيز العلاقات مع دول أفريقيا، وذلك من خلال المكتب الشريف للفوسفات، لافتا إلى أن هذا الأخير أنشأ مكتبا خاصا بأفريقيا ولديه فروع في 12 دولة أفريقية، وأبرم اتفاقات مع العديد من الدول الأفريقية، من بينها إثيوبيا ونيجيريا وغانا، لبناء منشآت تصنيع الأسمدة.
وأوضح رشيد ساري أن التوجهات الاستثمارية للمغرب في أفريقيا لا تنحو إلى استغلال الموارد الطبيعية لهذه الدول، بل تقوم على نقل الخبرات في مجالات الزراعة والأسمدة واستصلاح الأراضي والبنوك، مما يعزز التنمية المشتركة القائمة.
ولفت إلى عدد من المشاريع الإستراتيجية التي أطلقها المغرب مع الشركاء في الدول الأفريقية، مثل المبادرة الأطلسية التي تهدف إلى تمكين دول منطقة الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، ومشروع أنبوب الغاز الأفريقي الأطلسي، مشيرا إلى أن هذه المشاريع الكبرى من شأنها المساهمة في بناء أفريقيا موحدة ومتكاملة اقتصاديا.
تحديات وسوق مغرية
وتضم القارة الأفريقية حوالي 1.3 مليار مستهلك، ويناهز الناتج الداخلي لدولها 3.4 تريليونات دولار، مما يجعلها سوقا واعدة ومغرية للشركات المغربية وأيضا للمصدرين لتعزيز صادراتهم نحو هذه السوق.
ورغم التوسع الملحوظ للاستثمارات المغربية في أفريقيا والارتفاع المطرد في المبادلات التجارية، فإنها لا تزال محدودة وتواجه عدة تحديات أهمها التحديات السياسية، خاصة ما يتعلق بعدم الاستقرار السياسي في بعض الدول كما أوضح الخبير الاقتصادي رشيد ساري، وهو الأمر الذي يعرقل تنفيذ المشاريع الاستثمارية والشراكات الاقتصادية والمالية القائمة.
ويرى ساري أن طي ملف الصحراء الغربية بشكل نهائي داخل أفريقيا من شأنه تحقيق نهضة مغربية أفريقية وتقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية بين بلدانها وتحقيق تنمية ذات بعد قاري قائمة على مبدأ “رابح-رابح”.
أما هشام حافظ فيعتقد أن السياسة الاقتصادية المغربية في أفريقيا تواجه تحديات مرتبطة بتنويع وتوفير عرض الصادرات المغربية تجاه القارة الأفريقية، إذ إن معظم المنتوجات المغربية الموجهة إلى القارة الأفريقية هي منتوجات ذات قيمة مضافة متوسطة أو ضعيفة، زيادة على أن العرض الموجه للصادرات يبقى ضعيفا وغير كاف مقارنة مع طلب باقي الدول الأفريقية، يضاف إلى ذلك، وفق قوله، تحد آخر له علاقة بالشركات الصغرى والمتوسطة التي تعاني من مجموعة من المشاكل الاقتصادية كالولوج إلى التمويل والمواكبة الفعلية لمواجهة بعض أشكال المنافسة غير الشريفة.
وفي سياق عالمي يتسم بالتحول الرقمي وتطاحن القوى الاقتصادية العالمية حول القارة الأفريقية، يؤكد هشام حافظ أن المملكة المغربية مطالبة اليوم قبل الغد بتنويع منظومة الإنتاج الموجهة إلى القارة الأفريقية والاستثمار في بعض القطاعات الحيوية ذات القيمة المضافة العالية.