في وقت بدأت فيه بعض قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي التعايش مع ظروف الحرب التي يشنها الجيش على قطاع غزة، بدأت تظهر أرقام مقلقة لصناع السياسة المالية والنقدية.
وما يكشف الارتباك، إعلان بنك إسرائيل (المركزي) الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع عُقد الأسبوع الماضي، تبعته انتقادات حادة من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الباحث عن خفضها.
والأربعاء، أبقى بنك إسرائيل على أسعار الفائدة دون تغيير عند 4.5%، فيما بدأت مؤشرات أسعار المستهلك تظهر ارتفاعا في الأسواق المحلية أعلى من الهدف المحدد.
إلا أن وزير المالية الإسرائيلي اعتبر الإبقاء على أسعار الفائدة تجاهل من بنك إسرائيل لتحفيز الاقتصاد المحلي، بحكم أن أسعار الفائدة المنخفضة تزيد الاقتراض والاستثمار وضخ الأموال في السوق.
وقال في بيان “بناءً على البيانات الواردة في قرار سعر الفائدة، كان ينبغي على محافظ البنك أن يصل إلى استنتاج معاكس تماما.. التضخم هو تضخم على جانب العرض وليس على جانب الطلب، والرحلات الجوية أكثر تكلفة لأن الشركات لا تطير هنا بسبب الحرب، والفواكه والخضراوات أكثر تكلفة لأننا لا نملك عمالا تايلانديين”.
ويبحث سموتريتش عن إطفاء انتقادات لاذعة وجّهت له ولحكومته من أرباب الصناعة في إسرائيل، بسبب تباطؤ مؤشرات الاقتصاد المحلي، وعدم قدرة الحكومة على تعويض غياب العمالة الفلسطينية.
وبعد أن وصل التضخم مطلع 2023 إلى أعلى قمة له منذ عام 2008، عند 5.4%، بدأ رحلة تراجع مع زيادات بنك إسرائيل لأسعار الفائدة، لتصل أسعار المستهلك عند 2.5% في فبراير/شباط الماضي. لكن سرعان ما بدأت تبعات أزمة البحر الأحمر، وغياب العمالة الفلسطينية، والتايلاندية (في قطاع الزراعة)، تظهر على أسعار المستهلك في إسرائيل.
وفي يوليو/تموز الماضي، قفزت أسعار المستهلك إلى 3.2% صعودا من 2.9% في يونيو/حزيران السابق له، مسجلة أعلى مستوى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وارتفعت أسعار المساكن في إسرائيل، وسط تراجع المعروض بسبب غياب العمالة الفلسطينية، في حين سجلت أسعار الخضار والفواكه زيادات متسارعة، بفعل غياب العمالة التايلاندية، إلى جانب أزمة البحر الأحمر.
والخشية في إسرائيل اليوم أن تواصل أسعار المستهلك ارتفاعها، ما يعني أن خطط بنك إسرائيل لخفض أسعار الفائدة ستؤجل حتى نهاية 2024 أو حتى مطلع 2025.
وهذا التأجيل إن تم، سيفاقم أزمة تباطؤ نمو الاقتصاد الإسرائيلي، مع بقاء كلفة الاقتراض مرتفعة، وسط تبعات اقتصادية ومالية للحرب على غزة.
وهم خفض البطالة
المسألة الأخرى مرتبطة بما وصفته صحيفة هآرتس وهم خفض البطالة، إذ تراجع معدل البطالة في يوليو/تموز إلى 2.8%، مقارنة بـ3.1% في يونيو/حزيران.
هذا التراجع لم يكن نتاج خلق فرص عمل جديدة في السوق الإسرائيلية تمكنت من خلالها من استيعاب جزء من الباحثين عن عمل، بل إخراج جزء من العاطلين عن العمل من تعريف البطالة من قبل مكتب الإحصاء الإسرائيلي.
وبسبب التلاعب بالداخلين والخارجين من سوق العمل، تراجعت نسبة البطالة في إسرائيل خلال يوليو/تموز إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، بحسب البيانات التاريخية لمكتب الإحصاء الإسرائيلي.
وتقول هآرتس، في تقرير حديث نشرته الأسبوع الماضي، إن انخفاض معدل البطالة في إسرائيل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق في يوليو/تموز، عند 2.8%، يستند إلى أسباب خاطئة.
والسبب الحقيقي لتراجع البطالة يتمثل في أمرين اثنين، الأول أن الإحصاء اعتبر الداخلين في التجنيد على أنهم عاملون، وحصلوا على فرصة عمل، وبالتالي يتم إخراجهم من صفوف العاطلين عن العمل.
أما الأمر الثاني، فهو أن عشرات آلاف النازحين من الشمال والجنوب منذ أكثر من 10 شهور، لم يعودوا يبحثون عن عمل، وبالتالي فإنهم تم إخراجهم من القوى العاملة في إسرائيل.
وهذا يعني أن انخفاض البطالة لا يرجع إلى أن الاقتصاد يتحرك بسرعة إلى الأمام، الأمر الذي يخلق طلبا مرتفعا على العمال، بل لأن هناك نقصا في العمال وتحريف مفهوم البطالة، وفق هآرتس.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل بدعم أميركي حربا على غزة، خلّفت قرابة 135 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية، ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.