دفع أحدث إغلاق لحقول النفط بليبيا وتوقف الإنتاج فيها أسعار الطاقة العالمية إلى الارتفاع، فما الذي أوصل الوضع في هذا البلد إلى هذا الحد؟ هذه 5 أسباب تفسر ما حدث.
1) كيف بلغ الوضع هذا الحد؟
منذ الثورة الليبية عام 2011 والتي أطاحت الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي ودفعت ليبيا إلى الفوضى، أصبح الوصول إلى ثروة البلد النفطية أكبر جائزة لجميع الفصائل السياسية والجماعات المسلحة.
وكانت المجموعات المحلية الصغيرة والمجموعات الوطنية الكبرى قد أوقفت في السابق إنتاج النفط كتكتيك للمطالبة بحصة أكبر من إيرادات الدولة أو إجراء تغييرات سياسية. والجمود السياسي الحالي في ليبيا نشأ عن عملية السلام المتعثرة التي أعقبت الانقسام في عام 2014 بين الفصائل الشرقية والغربية المتحاربة التي شكلت حكومات متنافسة.
وفي عام 2020، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع فشل الهجوم على طرابلس الذي قادته قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وبدأ التحرك نحو إعادة توحيد الدولة في الفترة التي سبقت الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول 2021 في ظل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
عاد الخلاف مرة أخرى بين الفصائل الشرقية والغربية إثر فشل جهود التسوية السياسية وعاد معه التنافس على الوصول إلى إيرادات الطاقة، مع تركيز المواجهة الأخيرة على السيطرة على مصرف ليبيا المركزي.
وتعارض الفصائل الشرقية، بما في ذلك برلمان مجلس النواب بقيادة رئيسه عقيلة صالح وما يسمى بالجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، محاولة المجلس الرئاسي في طرابلس إطاحة محافظ مصرف ليبيا المركزي صادق الكبير.
2) من يحاصر منشآت النفط الليبية؟
وخلال معظم فترة ولاية صادق الكبير التي استمرت 13 عاما في منصبه محافظا لمصرف ليبيا المركزي، أرادت الفصائل الشرقية التخلص منه ودعمت لفترة من الوقت محافظا بديلا يرأس بنكا مركزيا موازيا مقره في شرق ليبيا، لكنهم الآن هم الذين يطالبون ببقاء الكبير في منصبه. وحذر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الأسبوع الماضي من إغلاق قطاع النفط إذا تمت الإطاحة بمحافظ البنك المركزي.
وقالت جماعات احتجاجية في المناطق النفطية، التي غالبا ما كانت واجهة في السنوات الأخيرة للسلطات الشرقية، يوم الأحد، إنها تحتل حقول الطاقة وتغلقها.
ثم أصدر مجلس النواب بيانا قال فيه إن ليبيا لا تستطيع إنتاج أي نفط أو تصديره بسبب الاحتجاجات.
ووصف اللواء المتقاعد حفتر خطوة استبداله بأنها غير قانونية، ولا تزال قوات حفتر تسيطر عسكريا على جميع المناطق التي تجري فيها عمليات الإغلاق ويقول محللون إنه طور تحالفا مربحا مع الكبير في الأشهر الأخيرة.
3) ماذا يريد المحتجون؟
باختصار، لدى الفصائل الشرقية مطلب واحد بسيط يتجلى في إعادة صادق الكبير إلى منصبه محافظا لمصرف ليبيا المركزي، ويكمن وراء هذا الموقف الصراع الذي لا نهاية له بين الفصائل الليبية المتنافسة للسيطرة على عائدات الطاقة.
وانتهى آخر إغلاق كبير في عام 2022 بقيام رئيس الوزراء الدبيبة في طرابلس باستبدال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله بفرحات بن قدارة الذي يُنظر إليه منذ مدة طويلة على أنه مقرب من حفتر.
وقد سهّلت هذه الخطوة قيام تحالف ضمني بين الدبيبة في الغرب وحفتر في الشرق، مع ضوابط أكثر مرونة على قطاع النفط المربح في ليبيا وواردات الوقود، وتوزيع أموال الدولة على الإنفاق في جميع أنحاء البلاد.
وعندما اختلف الكبير مع الدبيبة في العام الماضي وبدأ بتشديد قيود حكومة الوحدة الوطنية، كانت الساحة ممهدة للمواجهة.
4) هل هناك أي احتمال لصفقة؟
لا أحد يبدو على استعداد للتراجع الآن، وتراهن الفصائل الشرقية على أنه بحرمان البنك المركزي من مزيد من الأموال، وبجعل البنك من الصعب عليه العمل دوليا من خلال الطعن في شرعيته، ستضطر سلطات طرابلس إلى الاستسلام.
والبنك المركزي هو المتسلّم القانوني الوحيد لعائدات النفط الليبي ويدفع رواتب الدولة في جميع أنحاء البلاد. وإذا تعرضت هذه الوظائف للخطر بسبب الأزمة الحالية، فسوف يشعر الليبيون بوطأة الأزمة قريبا.
لكن هذا الوضع سيؤثر على الجانبين، وقد تعتقد سلطات طرابلس أن البديل المتمثل في التراجع والتخلي فعليا عن أي نفوذ على البنك -المصدر الوحيد لإنفاق الدولة- سيكون أسوأ.
وفي الوقت نفسه، لا يظهر النزاع السياسي الأوسع في ليبيا أي علامة على الحل، وقد تعثرت الدبلوماسية الدولية لحله من خلال الانتخابات. وإذا كان أي من الجانبين يفكر في القيام بعمل مسلح لحل النزاع على البنك المركزي، فقد يكون هناك ما هو أسوأ في المستقبل.
5) إلى متى يمكن أن يستمر الحصار النفطي؟
أصبح حصار النفط تكتيكا مألوفا في السياسة الليبية الفوضوية والعنيفة منذ إطاحة القذافي في عام 2011.
ومع ذلك، فبينما تم حل عمليات الإغلاق المحلية الأصغر حجما في بعض الأحيان خلال أيام، فإن عمليات الإغلاق الأكبر المرتبطة بالصراعات السياسية أو العسكرية الكبرى استمرت أحيانًا أشهرا.
وأطول حصار كبير حدث حين أوقف حفتر كل الإنتاج تقريبًا عام 2020 طوال 8 أشهر لم يتم حله إلا ضمن اتفاق أوسع عندما انهار هجومه على طرابلس.