موسكو – لم تعد الثغرات الموجودة في نظام العقوبات الغربية ضد روسيا هي المشكلة الأساسية التي تواجه تحقيق أهداف هذه العقوبات، بل ما استجد مؤخرا من أن دولًا غربية تمكنت من خلال هذه الثغرات من الحصول على موارد الطاقة الروسية.
فقد نقلت وكالة ريا نوفستي عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (مقره في واشنطن) ومركز دراسة الديمقراطية (مقره في صوفيا عاصمة بلغاريا) تأكيدهما أن دولا غربية تواصل شراء الوقود الروسي على الرغم من العقوبات المفروضة بفضل ثغرة قانونية.
ووفق تقارير منفصلة صدرت عن المركزين، فقد ظلت الأسواق الغربية من الناحية العملية مفتوحة أمام موارد الطاقة الروسية بفضل الإمدادات من 3 مصافٍ تركية.
ويشير مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في تقريره إلى أن روسيا تلقت حوالي 3 مليارات يورو بفضل الإمدادات التركية للغرب، وأن أنقرة زادت مؤخرا وارداتها من روسيا بنسبة 105%، وصادرات الوقود إلى الدول الأوروبية بنسبة 107%.
وإلى جانب الشركات التركية، يلفت التقرير إلى أن شركة ستار إيجين المملوكة لأذربيجان والتي تعتمد بنسبة 98% على النفط الخام الروسي، ويأتي حوالي 73% منه من شركة الطاقة العملاقة “لوك أويل” الروسية الخاضعة للعقوبات، تقوم كذلك بشحن ما يقرب من 9 من أصل 10 براميل من هذه الإمدادات إلى الغرب.
وسطاء
ووفقًا لريا نوفوستي، فإن الهند كذلك تعتبر نقطة شحن رئيسية للوقود الروسي، حيث زادت بشكل كبير وارداتها من المنتجات البترولية الروسية، وخاصة إلى المملكة المتحدة وألمانيا. وتؤكد الوكالة الروسية أن دولا أوروبية، بما فيها هولندا وفرنسا وإيطاليا، تقوم بشراء المنتجات البترولية من الهند بشكل نشط.
يأتي ذلك في الوقت الذي يحقق فيه الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاء آخرين، في زيادة الصادرات إلى بلدان جارة لروسيا، في مسعى غربي لمنع التحايل على العقوبات المفروضة على موسكو.
وفي هذا السياق، كان المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي المعني بالعقوبات، ديفيد أوسوليفان، أكد في تصريح لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، وجود “انخفاض هائل في التدفقات التجارية من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا، وزيادة غير عادية في التجارة مع دول أخرى، وخاصة تلك القريبة من روسيا”.
وبحسب المسؤول الغربي، فإن “الظهور المفاجئ لعدد كبير من الاحتياجات الجديدة لهذه السلع بين جيران روسيا قد يشير إلى أن بعضها يتسرب إلى روسيا بدرجة أو بأخرى”.
ولم يحدد المسؤول الغربي الدول التي يشتبه الاتحاد الأوروبي في تحايلها على العقوبات، لكن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أشار إلى أن واردات روسيا من أرمينيا وقرغيزستان قفزت بشكل غير متوقع العام الماضي.
عبر وسطاء
وبحسب الخبير الاقتصادي الروسي فيكتور لاشون، فإنه على الرغم من أن مجموعة الـ7 قد منعت منذ فترة طويلة جميع النفط من روسيا تقريبا، فإن وجود ثغرات في “التشريعات” الغربية يجعل من الممكن شراء النفط الروسي من قبل أية جهة، بما فيها الغربية، بعد معالجته من بلدان أخرى مثل تركيا أو أذربيجان.
ويوضح لاشون للجزيرة نت بأنّه وبحسب القواعد المعتمدة، فإن الوقود المختلط «يخضع لعقوبات بحسب حصة المكون الروسي». ويتم تحديد ذلك من خلال ما إذا كانت المادة الخام قد خضعت “لتحول كبير” لتصبح منتجا جديدا تماما.
ويضيف أنّه في الممارسة العملية، يتم القيام بفحص الوثيقة حول المكان الذي تأتي منه البضائع (شهادة المنشأ) وهو ما يكفي للاعتراف بالوقود على أنه “غير روسي”.
وأشار الخبير إلى أن هذا لا يعني أن جميع شحنات الوقود التي تصل إلى الاتحاد الأوروبي من تركيا هي روسية، لكن جزءا ليس قليلا منها روسي.
عقوبات مفيدة
بدوره، يشير الباحث في قضايا الاقتصاد الكلي، إيغور بلينكين، إلى أن استيراد دول غربية للوقود الروسي عبر بلد ثالث يشكل مصدر دخل مغرٍ سواء للحكومات الغربية أو لأصحاب رؤوس الأموال هناك.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أنّ المستهلكين الأوروبيين لا يستفيدون من شراء الوقود “الرخيص”، بينما تحقق حكومات وشركات وتجار أرباحا خيالية جراء ذلك.
ويتطرق في حديثه إلى النقطة المتعلقة بالإمكانيات اللوجستية لذلك، ويرى أنّ الموقع الجغرافي للموانئ، إضافة إلى المعلومات المتعلقة بالواردات والصادرات، تشير إلى أنه تتم إعادة تعبئة كمية كبيرة من النفط الروسي ونقله إلى مناطق أبعد، وهو ما يشكل بحد ذاته ثغرة في قوانين العقوبات على روسيا.
ويختم بأنه لا يستبعد أن تكون هذه الثغرة قد أبقيت بشكل متعمد للاستفادة بأشكال مختلفة من الوقود الروسي لتحقيق أرباح، لا سيما مع إدراك الاتحاد الأوروبي أنّه بات من شبه المستحيل السيطرة على كافة الطرق التي تسمح بالتحايل على العقوبات والتغلب عليها.
وفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في عام 2014 عقوبات على روسيا على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم. ومنذ ذلك الحين، تم تشديد الإجراءات التقييدية عدة مرات.
وعقب إطلاق روسيا ما أسمتها بالعملية العسكرية في أوكرانيا، أقرت المنظومة الغربية أكثر من 10 موجات من العقوبات شملت كذلك العديد من الشركات ورجال الأعمال والسياسيين الروس، وتركت تداعيات سلبية على الاقتصاد والنظام المالي والصادرات الروسية فضلا عن توريد عدد من السلع إلى البلاد.