موسكو- ارتفعت معدلات التضخم في روسيا إلى 8.9% في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، بعد أن بلغت 8.5% في أكتوبر/تشرين الأول، ومن المتوقع أن يبلغ 7.3% بحلول نهاية العام الحالي، وفقا لدائرة الإحصاء الروسية.

ويأتي ذلك رغم سياسة البنك المركزي المتشددة، التي تشير الأرقام الرسمية إلى أنها لم تؤد إلى انخفاض التضخم، وهو ما ينذر بتوجه البلاد نحو أزمة قد تكون خانقة في الأشهر القادمة.

وأشارت دراسات مختلفة صدرت عن مراكز لتحليل الاقتصاد إلى تسارع في نمو أسعار المنتجين بسبب زيادة سعر الفائدة في البنك المركزي بنحو 5%، وبسبب نمو الأجور بنسبة 4%.

وقدمت هذه الدراسات أدلة على التأثير السلبي لأسعار الفائدة المرتفعة على مؤشرات الاقتصاد الكلي، ودورها في خفض كثير من برامج الإنتاج وتأجيل العديد من المشاريع الاستثمارية.

وكان البنك المركزي الروسي بدأ في أغسطس/ آب الماضي تشديد سياسته النقدية من خلال رفع سعر الفائدة الرئيسي بشكل منتظم.

وعلى مدى 16 شهرا ارتفع سعر الفائدة في البنك المركزي إلى 3 أضعاف تقريبا، وبلغ مستوى قياسيا بأكثر بقليل من 21%، ومع ذلك لم تنخفض معدلات التضخم ولم يتوقف الارتفاع المستمر في الأسعار حتى الآن.

مخاطر إفلاس

وأدت زيادة أسعار الفائدة على القروض في العام الحالي إلى توسع حصة الشركات المدرجة في منطقة الإفلاس العالية، حيث من المتوقع أن تتوسع من 4.7% إلى 8.9% بحلول نهاية العام.

وتشمل قائمة الشركات المهددة بالإفلاس:

  • الشركات العاملة في مجال التعدين.
  • الشركات العاملة في مجال النقل الجوي والبري.
  • شركات هندسة السكك الحديدية وبناء السفن.
  • شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية.
  • شركات تصنيع الطائرات.
  • الشركات العاملة في مجالات البناء وقطع الأشجار والتخزين.

تعرف على قدرة روسيا على إنتاج النفط والغاز

وفي دراسات استقصائية للمؤسسات أجراها البنك المركزي نفسه في أكتوبر/تشرين الأول 2024، تم تحقيق رقم قياسي مطلق لحصة التقييمات السلبية لشروط الإقراض.

ووفقا لهذا المؤشر، تجد الشركات الروسية نفسها اليوم في وضع أسوأ مما كانت عليه خلال الفترة الحادة من الأزمة المالية العالمية 2008-2009 في مجموعة واسعة من الصناعات.

ونتيجة لذلك، يصبح سعر الفائدة الحالي الذي حدده البنك المركزي عاملا مثبطا للاستثمار، وفق بعض المراقبين المستقلين.

ويتوقع خبراء روس في الاقتصاد استمرار ارتفاع أسعار عدد من السلع والخدمات العام المقبل، بسبب الإنفاق العام الضخم على الحرب مع أوكرانيا والزيادات الكبيرة في الأجور في العديد من قطاعات الاقتصاد.

خيارات صعبة

وحسب الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون، فإنه من أجل الحفاظ على صورة المقاتل النشط ضد التضخم، قد يقوم بنك روسيا خلال الأيام القليلة المقبلة بزيادة سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نقطتين إلى 3 نقاط، ليصل إلى ما بين 23% و24%، وتوقع أن يعطي البنك المركزي إشارات بتشديد السياسة النقدية مرة أخرى.

وقال في حديث للجزيرة نت إن الزيادة المتوقعة في رسوم الخدمات السكنية والخدمات المجتمعية وضعف الروبل تخلق ضغوطا تضخمية إضافية، مؤكدا أنه في مثل هذه الظروف، ستنخفض معدلات النمو في عام 2025.

وأشار فيكتور لاشون كذلك إلى أن مستوى التضخم الاستهلاكي في روسيا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تجاوز توقعات أكتوبر/ تشرين الأول للبنك المركزي. فعلى مدى 11 شهرا، بلغ التضخم المتراكم 8.8%، بينما توقع البنك المركزي أنه في نهاية العام سيكون هذا الرقم عند المستوى بين 8% و8.5%.

وتوقع لاشون أن يعلن المركزي الروسي رفعا جديدا لسعر الفائدة الرئيسي في اجتماعه المقرر في 20 من الشهر الجاري.

وأوضح أن ارتفاع مستوى التضخم في روسيا يرجع إلى مزيج من العوامل الداخلية، لكن يبقى أهمها العقوبات المفروضة على التجارة الخارجية الروسية.

كلفة الحرب

من جانبه، يقول محلل الشؤون الاقتصادية أندريه زايتسيف، إن ارتفاع التضخم في روسيا يعود من بين أمور أخرى إلى الإنفاق الحكومي على المجهود الحربي في أوكرانيا، حيث من المقرر أن ترتفع ميزانية الدفاع -التي تضاعفت منذ عام 2022- بنسبة 30% أخرى بحلول عام 2025 إلى ما يعادل 137 مليار دولار.

ووفقا زايتسيف، فإنه من خلال رفع سعر الفائدة الرئيسي، يأمل البنك المركزي الروسي في الحد من الاستهلاك، وبالتالي خفض الأسعار.

لكنه يتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى بعض السخط في مجتمع رجال الأعمال، حيث إن ارتفاع تكلفة الاقتراض قد يخنق الاستثمار التجاري، وفق تعبيره.

ويقول زايتسيف إنه إذا انخفض الإنتاج، فستضطر البلاد إلى اللجوء إلى الواردات، وهي باهظة الثمن، ليس فقط بسبب العقوبات الغربية ولكن أيضا بسبب القيمة المنخفضة جدا للروبل مقابل العملات الأجنبية.

ويعتقد أن كل شيء يشير إلى انخفاض النمو الاقتصادي في روسيا، واستمرار ارتفاع التضخم، متوقعا انخفاض النمو إلى حوالي 2% “في أفضل السيناريوهات”، بعد عامين من نمو اقتصادي سريع بلغ نسبة 3.6%.

وينفي المتحدث ذاته أن يتجه الاقتصاد الروسي نحو الهاوية، ووصف الوضع بكونه أزمة تتراكم ببطء، بسبب تكلفة إفشال العقوبات الدولية في توجيه ضربة قاضية له.

ويقول إنه رغم كل تلك العقوبات الغربية، فإن واردات الاتحاد الأوروبي من روسيا بلغت ما يقرب من 50 مليار دولار في العام الماضي. كما تستمر الدولة الروسية في جني فوائد تصدير النفط والغاز إلى الهند والصين، إلى حد كبير من خلال أسطول “ظل” من السفن التي تتجنب سقف السعر البالغ 60 دولارا للبرميل الذي حاولت الحكومات الغربية فرضه.

شاركها.
Exit mobile version