قالت عضوة مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) ليزا كوك إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يملك سلطة إقالتها من منصبها، وإنها لن تستقيل.

جاء تصريح كوك بعدما أعلن ترامب في وقت سابق أمس الاثنين إقالتها بأثر فوري.

وأضافت كوك في بيان: “زعم الرئيس ترامب أنه أقالني ‘لسبب وجيه’ في حين أنه لا يوجد سبب قانوني، وليست لديه صلاحية القيام بذلك.. لن أستقيل. سأواصل أداء مهامي لدعم الاقتصاد الأميركي كما أفعل منذ عام 2022”.

وقال ترامب إن قرار إقالة كوك جاء للاشتباه باحتيالها في قضية رهن عقاري، في خطوة تزيد الضغوط التي يمارسها على المؤسسة النقدية المستقلة.

وكتب ترامب في رسالة إلى كوك، مستشهدا بإحالة جنائية مؤرخة في 15 أغسطس/آب الجاري من مدير الوكالة الفدرالية لتمويل الإسكان إلى وزيرة العدل، “لقد قررت أن هناك سببا كافيا لإقالتك من منصبك”.

وفي الولايات المتحدة، يتمتع الرئيس بصلاحيات محدودة لإقالة مسؤولي البنك المركزي، وقضت المحكمة العليا أخيرا بأنه لا يمكن عزل مسؤولي الاحتياطي الفدرالي إلا “لسبب وجيه”، وهو ما يمكن تفسيره بأنه يعني ارتكابهم مخالفة.

والوثيقة التي استند إليها الرئيس الجمهوري في تبريره خطوته هذه هي إحالة جنائية صادرة عن مدير الوكالة الفدرالية لتمويل الإسكان، وهو حليف قوي لترامب، وموجهة إلى وزيرة العدل بام بوندي.

وقال ترامب -في رسالته- إن هذه الإحالة قدمت بالنسبة إليه “سببا كافيا” للاعتقاد بأن كوك ربما أدلت “ببيانات كاذبة” بشأن اتفاقية رهن عقاري واحدة أو أكثر.

كانت كوك قالت -في بيان أصدرته في وقت سابق من الشهر الجاري- إنه “لا نية لدي للتنحي تحت الترهيب”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنها ستأخذ الأسئلة المتعلقة بتاريخها المالي على محمل الجد.

ويقرأ قرار ترامب الأخير في سياق ضغوطه المتواصلة على مجلس الاحتياطي الفدرالي لخفض أسعار الفائدة بهدف إنعاش الاقتصاد، وهو ما طلبه مرارا وتكرارا حتى وصل الأمر لانتقادات لاذعة لرئيس المجلس جيروم باول.

استجابة الأسواق

وعلى إثر إقالة ترامب لكوك، تخلى الدولار عن مكاسبه في التعاملات المبكرة في آسيا اليوم الثلاثاء، واستقر مؤشر الدولار عند 98.43 نقطة.

وسجلت العملة الأميركية -أمس الاثنين- أكبر مكاسب يومية لها في 4 أسابيع.

وارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى لها في أسبوعين مسجلة 3386.49 دولارا للأوقية، قبل أن تتراجع قليلا إلى 3375 دولارا لتبقى مرتفعة 0.28%.

وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر/كانون الأول 0.21% إلى 3424.60 دولارا.

ما معنى إقالة كوك؟

حسب صحيفة غارديان البريطانية، تهدد إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي -أو إجبار أحد المحافظين على الاستقالة- استقلال المجلس، الذي لطالما أيده معظم الاقتصاديين ومستثمري وول ستريت، وهذه من بين أبرز ما يجب معرفته عن الاحتياطي الفدرالي:

  • يتمتع الاحتياطي الفدرالي بسلطة واسعة على الاقتصاد الأميركي، فمن خلال خفض سعر الفائدة قصير الأجل الذي يتحكم فيه -وهو ما يفعله عادة عندما يتعثر الاقتصاد- يمكن الاحتياطي الفدرالي أن يجعل الاقتراض أرخص ويشجع على زيادة الإنفاق، مما يسرع النمو والتوظيف، أما عندما يرفع سعر الفائدة، وهو ما يفعله لتهدئة الاقتصاد ومكافحة التضخم، فقد يضعف الاقتصاد ويسبب فقدان الوظائف.
  • لطالما فضل الاقتصاديون البنوك المركزية المستقلة لسهولة اتخاذها خطوات غير شعبية لمكافحة التضخم، مثل رفع أسعار الفائدة، مما يزيد من تكلفة الاقتراض لشراء منزل أو سيارة.
  • ترسخت أهمية استقلالية مجلس الاحتياطي الفدرالي لدى معظم الاقتصاديين بعد الارتفاع الحاد في التضخم في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، وقد اتهم الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفدرالي، آرثر بيرنز على نطاق واسع بالسماح للتضخم المؤلم في تلك الحقبة بالتسارع من خلال الرضوخ لضغوط ريتشارد نيكسون لإبقاء الفائدة منخفضة قبل انتخابات عام 1972، وكان نيكسون يخشى أن تكلفه أسعار الفائدة المرتفعة خسارة الانتخابات، التي فاز بها فوزا ساحقا.
  • من شبه المؤكد أن أي محاولة لإقالة باول أو أحد أعضاء مجلسه أن تؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم وارتفاع عوائد السندات، مما سيرفع أسعار الفائدة على الدين الحكومي ويرفع تكاليف الاقتراض على الرهن العقاري وقروض السيارات وديون بطاقات الائتمان.
  • يفضل معظم المستثمرين استقلالية الاحتياطي الفدرالي، ويرجع ذلك جزئيا إلى قدرته على إدارة التضخم بشكل أفضل من دون التأثر بالسياسة، وكذلك لأن قراراته أكثر قابلية للتنبؤ، وغالبا ما يناقش مسؤولو الاحتياطي الفدرالي علنا كيفية تعديلهم سياسات الفائدة إذا تغيرت الظروف الاقتصادية.
  • إذا كان الاحتياطي الفدرالي أكثر تأثرا بالسياسة، فسيكون من الأصعب على الأسواق المالية توقع قراراته أو فهمها.
  • أشارت المحكمة العليا، في حكم صدر في وقت سابق من هذا العام، إلى أنه لا يحق للرئيس إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي لمجرد عدم رضاه عن خياراته السياسية، لكن قد يكون بإمكانه إقالته “لسبب وجيه”، وهو ما يفسَر عادة على أنه نوع من المخالفة أو الإهمال، وهذا على الأرجح هو السبب الذي دفع إدارة ترامب إلى التركيز على كلفة تجديد مبنى البنك المركزي مؤخرا، على أمل أن يوفر ذلك ذريعة “لسبب وجيه”، ومع ذلك، من المرجح أن يقاوم باول أي محاولة لإقالته، وقد تحال القضية إلى المحكمة العليا.

من ليزا كوك؟

تشغل كوك عضوية مجلس المحافظين المكون من 7 أعضاء، والذي يشكل -إلى جانب 5 من رؤساء البنوك الاحتياطية الـ12- لجنة السوق المفتوحة الفدرالية المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة.

أصبحت أول امرأة سوداء تعين في مجلس إدارة مجلس الاحتياطي الفدرالي في تاريخه الممتد لأكثر من 100 عام، عندما رشحها الرئيس جو بايدن عام 2022 لفترة تنتهي عام 2024، ثم أعاد بايدن تعيينها لفترة جديدة مدتها 14 عاما، وهي الآن عضوة فيها، وستنتهي عام 2038.

تحمل كوك درجة الدكتوراه في الاقتصاد، وهو أمر شائع بين مسؤولي مجلس الاحتياطي الفدرالي، وكانت أستاذة في الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة ميشيغان قبل انضمامها إلى البنك المركزي، وركزت أبحاثها على البنوك المركزية الدولية، والأزمات المالية، والتفاوتات الاقتصادية العرقية، وتأثيرات الابتكار على الاقتصاد.

كما عملت كوك في مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس باراك أوباما، وفي أوائل العقد الأول من القرن الـ21، في وزارة الخزانة.

انضمت كوك إلى مجلس الاحتياطي الفدرالي في وقت كان البنك يشرع فيه في حملة رفع أسعار الفائدة الأكثر جرأة منذ 40 عاما، في محاولة لإحباط التضخم المتزايد، لقد صوتت مع أغلبية أعضاء اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة، ورئيسها باول، في كل اجتماع منذ انضمامها إلى المؤسسة، بما في ذلك الاجتماعات الخمسة التي عقدت حتى الآن هذا العام، والتي أبقى فيها صانعو السياسات أسعار الفائدة من دون تغيير.

ونظرا لقلقها من استمرار ارتفاع التضخم، وصفت كوك تقرير الوظائف الأخير -الذي أظهر تباطؤا كبيرا في التوظيف هذا الصيف- بأنه “مثير للقلق”، مضيفة أن هذا التباطؤ قد يشير إلى نقطة تحول في الاقتصاد الأميركي.

وكوك، وهي من مواليد ولاية جورجيا، وعائلتها ناشطة في حركة الحقوق المدنية، وعمها صموئيل دوبوا كوك زميل دراسة لمارتن لوثر كينغ الابن وعالم سياسة بارز.

شاركها.
Exit mobile version