استضافت سلطنة عُمان فعاليات مؤتمر المحيط الهندي “آي أو سي” (IOC) الثامن تحت شعار “رحلة نحو آفاق جديدة من الشراكة البحرية” واستمر يومين، بمشاركة رفيعة المستوى ضمت وزراء خارجية الدول المطلة على المحيط الهندي وممثلين عن 60 دولة ومنظمة دولية.

وأقيم المؤتمر في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض بتنظيم من وزارة الخارجية العُمانية، بالتعاون مع مؤسسة الهند، وبدعم من كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة.

وسلط الضوء على الفرص والتحديات التي تواجه الدول المطلة على المحيط الهندي، مع التركيز على تعزيز التعاون في المجالات البحرية والاقتصادية والأمنية. ويهدف المؤتمر إلى دعم التنمية المستدامة، وتحقيق الأمن البحري، وضمان حرية الملاحة، والاستفادة من التقنيات الحديثة في تعزيز الحوكمة البحرية وأمن الموانئ.

وأكد وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي، خلال المؤتمر، أن المحيط الهندي ليس مجرد مساحة مائية، بل هو شريان للحياة الاقتصادية، ومنصة للتبادل وجسر للتواصل والصداقة، مشددًا على المسؤولية المشتركة لمعالجة القضايا البيئية، وضمان حرية الملاحة، وتعزيز قدرة المجتمعات الساحلية على مواجهة تحديات التغير المناخي.

توازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة

وفي حديثه عن الرؤية الاقتصادية للسلطنة، أوضح البوسعيدي أن بلاده تسعى إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، لا سيما في قطاعات الاقتصاد الأزرق، والبنية التحتية للموانئ، والخدمات اللوجستية.

وأضاف “نأمل أن يتيح لنا هذا المؤتمر تطوير إستراتيجيات مستدامة ومفيدة للجميع، ولا تقتصر شراكتنا على المسائل البحرية، بل تمتد لتشمل التحول في مجال الطاقة، والتكنولوجيا، والرؤى المشتركة لدول الجنوب”.

وأكد أن السلطنة تقوم على مبادئ الحوار، والاحترام المتبادل، وتعزيز التعاون الدولي، بعيدًا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مشيرًا إلى أهمية تبني نهج قائم على الثقة والقيادة والانخراط البناء لضمان مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.

إرث تاريخي من الشراكة البحرية

وأشار الوزير العماني إلى أن بلاده كانت أمة بحرية على مدى آلاف السنين، حيث شكل المحيط بوابة للتجارة وتبادل الثقافات، وقال “لقد قدم كل مجتمع مهاراته وسلعه ورؤاه الفريدة، ومن خلال الشراكة البحرية، تمكنا جميعا من الاستفادة من هذا التنوع”.

وأوضح أن قواعد الملاحة البحرية لم تكن لتتحقق دون الحوار لوضع القوانين، والتعاون لتنفيذها، والثقة في نوايا الشركاء، وهو ما أدى إلى تطوير قانون البحار.

كما استعرض تطور القوانين البحرية منذ القرن السابع مع الإمبراطورية البيزنطية، مرورًا بالفقيه الهولندي هوغو غروشيوس الذي رسخ مبدأ “البحر الحر” في القرن 17، وصولًا إلى اتفاقية قانون البحار التي أقرتها الأمم المتحدة بالقرن الـ20 لمواجهة التحديات البحرية مثل القرصنة والصيد غير القانوني والجريمة العابرة للحدود.

ضمان الأمن البحري

وأكد البوسعيدي أن المؤتمر يعكس قناعة عمان بأن الشراكة هي السبيل الأمثل للحفاظ على أمن واستقرار المحيطات، مشيرًا إلى أن السيادة البحرية وحرية الملاحة لا تتحققان من خلال السياسات العدائية أو القوة العسكرية بل عبر التعاون والانخراط البناء.

وفي سياق تعزيز الأمن البحري، دعا الوزير العماني إلى توحيد صوت دول الجنوب لمواجهة التحديات المشتركة، وتعزيز الفهم المشترك لدوافع الجهات التي تهدد استقرار البحار.

وأضاف “نحن ننظر إلى المحيط الهندي على أنه جسر وليس حاجزًا، ونسعى لتعزيز شراكة شاملة تضمن نصيبًا عادلًا لكل الدول، شمالًا وجنوبًا، في أمن وازدهار هذه المنطقة الحيوية”.

المؤتمر تضمن إلى توحيد صوت دول الجنوب لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز الفهم المشترك لدوافع الجهات التي تهدد استقرار البحار (الجزيرة)

وفي السياق نفسه، استعرض رئيس مؤسسة الهند رام مادهاف الدور المحوري للمحيط الهندي في الاقتصاد العالمي، إذ تمر عبره 70% من التجارة البحرية العالمية، لكنه يواجه تحديات متزايدة مثل القرصنة والإرهاب البحري والصيد الجائر والاتجار بالبشر وتغير المناخ.

وأكد أن مواجهة هذه التحديات تستلزم تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.

من جهته أوضح وكيل وزارة النقل والاتصالات العمانية خميس بن محمد الشماخي أن استضافة المؤتمر تعكس موقع السلطنة الجغرافي الإستراتيجي، وعلاقاتها القوية مع الدول المطلة على المحيط الهندي.

وأشار إلى أن مسقط تسعى حاليًا إلى تعزيز دورها في المنظمات الدولية بالجانب البحري، وقال “هناك جهود بين عدة جهات من ضمنها وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات للتحول إلى التنقل الأخضر والموانئ الخضراء والممرات البحرية”.

حماية البيئة البحرية

ويعد المحيط الهندي من أكبر البيئات البحرية في العالم، حيث يضم أنظمة بيئية غنية تضم القشريات والأسماك الصغيرة والحيتان، إلى جانب الكائنات الحية المعمرة والشعاب المرجانية التي تلعب دورًا رئيسا في امتصاص ثاني أكسيد الكربون.

ويمثل المؤتمر فرصة لتبادل الرؤى حول أفضل السبل لحماية هذه النظم البيئية وتعزيز استدامتها، حسبما أوضح رئيس هيئة البيئة العمانية عبد الله بن علي العمري الذي شدد على أهمية التعاون الإقليمي والدولي للحفاظ على المحيطات والتوازن البيئي.

وعلى مدار يومين، ناقش المؤتمر عدة محاور رئيسة، تشمل التجارة البحرية وأمن الطاقة والابتكار التكنولوجي وتعزيز سلاسل الإمداد البحرية.

كما طرح وزراء خارجية 27 دولة رؤاهم حول التحديات الأمنية المشتركة، وسبل تعزيز التعاون في المحيط الهندي لتحقيق شراكات فاعلة ومستدامة.

ويعد مؤتمر “آي أو سي” منصة ومنتدى دوليا بارزا، انطلقت نسخته الأولى عام 2016، ليصبح ساحة رئيسة لتعزيز التعاون بين دول المحيط الهندي والقوى العالمية ذات المصالح الإستراتيجية بالمنطقة، وقد قامت دول مثل السلطنة والهند وسريلانكا وأستراليا وسنغافورة بأدوار محورية في فعالياته.

شاركها.
Exit mobile version