الإسكندرية- تصاعد الجدل حول قرار الحكومة المصرية بوقف استيراد سيارات المعاقين إلى حين حوكمة إجراءات ضبط منظومة استيرادها، وضمان وصولها إلى المستحقين وسط مخاوف ذوي الهمم من زيادة تعقيد الإجراءات، والتي يصفونها بالمعقدة من الأساس.
واستقبل المجلس القومي لذوي الإعاقة شكاوى العشرات من ذوي الاحتياجات الخاصة بشأن المشكلات المتعلقة بأزمة سيارات المعاقين المحتجزة بالموانئ والواردة لصالحهم، بعد قرار مصلحة الجمارك مراجعة مستندات وأوراق الاستيراد لآخر 3 سنوات، بعد ثبوت مخالفة بعض المركبات الاشتراطات والإفراج الجمركي، وحصول الأصحاء على مميزات جمركية ليست مخصصة لهم.
وتعد سيارات المعاقين المعفاة من الرسوم الجمركية من الامتيازات التي تقدمها الحكومة المصرية لذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يرغبون في امتلاك سيارة بأسعار تفضيلية تُمكنهم من الحركة والتنقل بعيدا عن المواصلات العامة غير المجهزة لحالتهم، إلا أنها شهدت خلال السنوات الماضية رواجا كبيرا في الإقبال عليها من قِبل بعض التجار والأصحاء، وهو ما أدى إلى ضياع حقوق الدولة.
ويبلغ عدد المصريين من ذوي الهمم نحو 11 مليون مواطن، بحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ولاقت الصفحات المتخصصة ببيع سيارات المعاقين بأسعار مخفضة رواجا في مصر بعد أن أصبحت تجارة قائمة ولها سماسرة متخصصون لتوفير الإجراءات والمستندات اللازمة لاستفادة “الأسوياء” من تلك الامتيازات، مستخدمين حيلا قانونية وغير قانونية.
وكان مجلس الوزراء المصري قرر أوائل أغسطس/آب الجاري اتخاذ حزمة من الإجراءات لضبط منظومة استيراد سيارات المعاقين من الخارج، وضمان وصولها إلى المستحقين، ووجه بتشكيل لجنة مركزية من الجهات المعنية داخل كل محافظة لفحص المركبات الخاصة بذوي الهمم، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة مع أي شخص استفاد من هذه السيارات دون وجه حق.
وصرح المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، بأن إحدى اللجان المشكلة فحصت وراجعت موقف نحو 450 سيارة، وتبين أن بعض المواطنين الذين حصلوا على سيارات بأسمائهم لا يعلمون عنها أي شيء ولا يستخدمونها، ولكن غيرهم من الأصحاء هم من يتمتعون بهذه الميزة التي تمنحها الدولة لذوي الهمم.
ووفقا لبيانها، قررت مصلحة الجمارك وقف عمليات الإفراج عن سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة، وتجميد استيرادها لمدة 6 أشهر نتيجة وجود ثغرات وتلاعب في عمليات استيراد تلك السيارات.
طرق غير مشروعة
ويؤكد مدير معهد المرور السابق والخبير المروري اللواء ماجد موسى على تعديل بعض الإجراءات المتعلقة باستيراد سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة التي توفرها الدولة بجمارك بسيطة لحين تنظيم العملية الاستيرادية، بعد اكتشاف لجوء عدد كبير من الأشخاص الأصحاء لشراء هذا النوع من السيارات بطرق غير مشروعة، والحصول على مميزات جمركية ليست مخصصة لهم.
وأشار في حديثه لـ”الجزيرة نت” إلى أن ذوي الهمم يعانون من استغلال السماسرة وبعض التجار لظروفهم، عن طريق جلب سيارات مسجلة بأسمائهم مقابل مبالغ مالية بعد تحرير عقود عرفية بين الطرفين، أو بالحصول على خطابات إعاقة بطرق غير شرعية، وبالمخالفة للقانون الذي يشترط للحصول عليها أن يكون المتقدم لها حاملا لبطاقة الخدمات المتكاملة “بطاقة رسمية تثبت الإعاقة” لشراء سيارات فارهة وذلك مقابل أقل من نصف سعرها.
وأوضح أن أحد أساليب الاتجار بسيارات المعاقين هو الانتظار حتى انتهاء الحظر على السيارة بحد أدنى 3 سنوات وأقصاها خمس سنوات، واستخراج شهادة بيانات من الجمارك بأنها غير محظورة، وشراؤها من الشخص المعاق بعد تلك المدة، ولا يوجد عليها اعتراض من المرور والجمارك بعد انتهاء الحظر.
أحد المنتفعين من شراء سيارة المعاقين -اشترط عدم ذكر اسمه- قال لـ”الجزيرة نت” “لا أملك مبالغ مالية كبيرة تمكنني من شراء سيارة جيدة، فاضطررت لشراء سيارة مخصصة للمعاقين، معفية من الجمارك بدلا من شراء أخرى بالطرق القانونية بفرق سعر يصل إلى الضعف تقريبا بعد الاستعانة بأحد من ذوي الهمم ومنحته مبلغا ماليا للتنازل عنها”.
إجراءات وشروط جديدة
وانتقد نظير شمس، من ذوي الهمم (29 سنة)، التعديلات الجديدة التي يرى أنها مجرد إضافة عبء جديد، في إجراءات التراخيص، وأن أصحاب الهمم يخشون أن تسبب في زيادة التعقيدات البيروقراطية، في ظل صعوبة الإجراءات الحالية.
واعتبر في حديثة لـ”الجزيرة نت ” أن توفير الحصيلة الدولارية والنقد الأجنبي هو المبرر الحقيقي للإجراءات الحكومية الأخيرة، في حين يحتاج المعاقون لدعم حقيقي والاستماع لمواقفهم، لضمان توفير حلول وبدائل واقعية.
وأشار شمس إلى حلم الغالبية من المعاقين بالحصول على هذه السيارات لمساعدتهم على التنقل والحصول على فرصة عمل، خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة للغالبية العظمى منهم، وأن أكثرهم يعانون من البطالة وعدم القدرة على الاستفادة من أي فرص متوفرة في سوق العمل.
في المقابل، رفض السيد محمد -تاجر وصاحب معرض سيارات بمدينة الإسكندرية، الاتهام الموجه للمستوردين أو التجار باستغلال مزايا الإعفاء من الرسوم الجمركية التي تتمتع بها سيارات المعاقين، مؤكدا أن الإشكالية هي تحايل البعض على حاجة الأشخاص ذوي الإعاقة، والحصول على خطابات السيارة المعفاة من الجمارك والضرائب مقابل مبالغ مالية، وهو ما شكل انتهاكا للقانون.
وأكد أنه بسبب القرارات الجديدة لا تزال الحكومة تحتجز عددا من سيارات المعاقين في الموانئ، وهو ما يشكل عبئا ماديا كبيرا على المستوردين والتجار نظير غرامة الأرضيات، جراء الانتظار إلى حين الإفراج عنها، إلى جانب احتياجهم للسيارة لممارسة مهامهم وأعمالهم التي بسببها استوردوها.
وأضاف “أن الحكومة كان بإمكانها وضع الآليات اللازمة لحماية حقوق ذوي الهمم في استغلال سياراتهم بدون زيادة تعقيد إجراءات الحصول عليها، ومنها تتبع تلك السيارات عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة، لربط موقع السيارة بعنوان مالكها من ذوي الإعاقة، وتطبيق حظر التوكيلات على تلك السيارات.
وقف استيراد سيارات المعاقين
وفي سياق متصل، تقدم عضو مجلس النواب كريم طلعت السادات بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، موجه لكل من رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية، ووزيرة التضامن الاجتماعي، بشأن وقف الإفراج الجمركي عن سيارات ذوي الهمم بالجمارك بما يخالف القانون.
وقال السادات، في الطلب المقدم منه، إن العشر سنوات الماضية حظي فيها ذوو الهمم أو القادرون باختلاف على كامل الدعم من القيادة السياسية، إلا أن الحكومة ضربت بهذا النهج المحمود عرض الحائط، من خلال وقف الإفراج الجمركي عن سيارات ذوي الهمم، مما تسبب في استياء ذوي الهمم، خاصة أن القانون رقم 10 لعام 2018 تضمن إعفاء جمركيا على هذه السيارات التي يتم استيرادها من الخارج.
أما عضو الشعبة العامة للسيارات بالغرفة التجارية منتصر زيتون، فيقول إن الحكومة لم تكن مضطرة لتعليق استيراد سيارات المعاقين أو إعادة تعديل إجراءات حصولهم على سيارة، إذ إن الهدف الأصلي هو التخفيف عن الحالات الإنسانية وأصحاب الإعاقة، مضيفا “القانون يحمي المعاقين، ويضمن عقاب أي شخص يتلاعب ويستغل القانون للتربح الشخصي، وكان المفترض فقط إحكام إنفاذ القانون ليس أكثر”.
في المقابل، يري أسامة أبو المجد رئيس رابطة السيارات بالغرفة التجارية التعديلات الجديدة المرتقبة تضمن توزيع سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل أفضل، مع منع استغلال بعض الثغرات في النظام الحالي من قبل البعض، لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
وأشار في حديثة لـ”الجزيرة نت” إلى أن السوق خلال الفترة الحالية يشهد بالفعل تراجعا في المعروض، مع توقف الإفراج عن سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تمثل 25% من حجم السيارات التي يتم استيرادها سنويا، وهو ما أدى إلى زيادات بسيطة في الأسعار، ولكن الإفراج عن السيارات المحتجزة بالموانئ سيحدث انفراجة مؤقتة واستقرار الأسعار في الأسواق.
بدورها، قالت الدكتورة إيمان كريم، المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، إن القرارات الأخيرة تهدف إلى محاسبة المتسببين في الأزمة، وتغليظ العقوبات على من ثبت حصوله بشكل غير قانوني على السيارة الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة المعفاة من الجمارك، واستغل حاجتهم وحصل بشكل أو بآخر على خطاب السيارة المتمثل في الدعم المخصص لهم.
ووعدت “كريم”، في حديثها للجزيرة نت بتدخل المجلس في هذه الأزمة عبر التواصل وبشكل دوري مع الأجهزة المعنية المتعلقة بالأمر، لوضع حلول للمشكلة، والتي كان منها إعفاء سيارات الأشخاص ذوي الإعاقة التي وصلت البلاد بشكل قانوني من غرامات الأرضيات خلال الفترة الماضية بعد ثبوت صحة أوراق أصحابها.