رام الله – يضيق الخناق شيئا فشيئا على أهم الموارد المالية للسلطة الفلسطينية، فبعد مجموعة اقتطاعات من “المقاصة” بذرائع مختلفة تجاوزت في مجموعها حاجز 7 مليارات شيكل (1.89 مليار دولار)، صدر قرار قضائي إسرائيلي باحتجاز نحو 410 ملايين شيكل (110 ملايين دولار) منها.

وفي المنافذ والموانئ التي تسيطر عليها، تجبي إسرائيل، نيابة عن السلطة الفلسطينية جمارك عن البضائع المستوردة والمتجهة إلى الضفة الغربية وغزة، ثم تحولها إلى السلطة شهريا في عملية يطلق عليها “المقاصة”.

قرار التجميد الصادر هذه المرة من بوابة القضاء، يستند إلى قانون أقره الكنيست الإسرائيلي في مارس/آذار الماضي، وفي 22 أكتوبر/تشرين الثاني الجاري أمرت المحكمة المركزية الإسرائيلية بتجميد المبلغ.

وجاء القرار إثر دعوى قضائية بقيمة تزيد على ملياري شيكل (540 مليون دولار) قدمتها عائلات إسرائيلية قتل أفراد منها في هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويضمن تجميد الأموال تعويض العائلات في حال قبول المحكمة بالدعوى في نهاية المطاف.

وجاء في الدعوى أن السلطة -التي لم تشارك في الهجوم واستنكرته ولا تسيطر على قطاع غزة– لم تتخذ إجراءات “لإحباط اعتداءات إرهابية، بل قامت بتمويل الإرهاب ودفع أموال لأفراد عائلات مخربين”.

وتواصل إسرائيل منذ سنوات اقتطاع أموال من مستحقات السلطة الفلسطينية بقرارات سياسية، وخاصة من قبل وزير المالية في الحكومة الحالية بتسلئيل سموتريتش، وزادت بشكل لافت منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، بمتوسط يبلغ 400 مليون شيكل شهريا (نحو 108 ملايين دولار).

إيرادات الحكومة

وتنقسم إيرادات الحكومة الفلسطينية إلى 3 مصادر:

  • إيرادات محلية.
  • إيرادات المقاصة.
  • المنح والتمويل الخارجي.

ووفق معطيات وزارة المالية بالحكومة الفلسطينية على موقعها الإلكتروني، بلغ صافي إيرادات الحكومة الفلسطينية على أساس نقدي خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري نحو 7 مليارات و520 مليون شيكل (نحو ملياري دولار).

ووفق البيانات المالية بلغت الإيرادات المحلية من مجموع الإيرادات نحو 3 مليارات و300 مليون شيكل (891 مليون دولار)؛ منها نحو مليارين و170 مليون شيكل (586 مليون دولار) إيرادات ضريبية، في حين قدرت إيرادات الرسوم المحلية غير الضريبية بنحو 898 مليون شكل (236 مليون دولار).

وتشمل الإيرادات غير الضريبية الرسوم والطوابع في المعاملات والخدمات لمختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، بما فيها رسوم التأمين الصحي الذي أدخل لموازنة الحكومة نحو 170 مليون شيكل (45 مليون دولار)، في الشهور الثمانية الأولى من العام الجاري.

أما صافي إيرادات المقاصّة فبلغ نحو 4 مليارات و220 مليون شيكل (1.13 مليار دولار).

في حين بلغ إجمالي الإيرادات من المنح الخارجية مليارا و425 مليون شيكل (655 مليون دولار)، منها 390 مليون شيكل (105 ملايين دولار) من الجزائر، ونحو 490 مليون شيكل (132 مليون دولار) ضمن آلية فلسطينية أوروبية لدعم وإدارة المساعدات الاجتماعية والاقتصادية.

ووفق موقع “الاقتصادي” الفلسطيني تشكل الإيرادات الضريبية ورسوم المعاملات الحكومية وأموال المقاصة، ما نسبته 85% من إجمالي الموازنة الفلسطينية، وما نسبته 10% تكون منحا خارجية والباقي قروض.

ووفق تحليل موقع “الاقتصادي” غير الحكومي للبيانات المالية فإن قيمة المنح والمساعدات الخارجية صعدت بنسبة 86% في أول 8 أشهر من العام الجاري، مقارنة مع الفترة المقابلة من العام الماضي والتي بلغت فيها المنح الخارجية 767 مليون شيكل (207 ملايين دولار).

أما إجمالي نفقات الحكومة خلال نفس الفترة فبلغت 11 مليارا و27 مليون شيكل (ملياران و978 مليون دولار)، منها نحو مليارين و600 مليون شيكل (702 مليون دولار) لوزارة الداخلية والأمن الوطني، وقرابة مليارين و500 مليون شيكل (675 مليون دولار) لوزارة التربية والتعليم.

الأموال المحتجزة

ووفق تصريحات صحفية لمدير مكتب الاتصال الحكومي محمد أبو الرُّب نهاية الأسبوع الماضي، فإن حوالي 7 مليارات شيكل (1.89 مليار دولار) من أموال المقاصة محتجزة لدى الجانب الإسرائيلي، منها قرابة 3 مليارات (810 ملايين دولار) تحت ذريعة أن السلطة تدفع مبلغا يساويها لعائلات الأسرى والشهداء.

وأشار إلى أن الأزمة المالية ليست وليدة الحكومة الحالية، إنما حكومات سابقة، وأن التزامات الحكومة الشهرية لا تقل عن مليار شيكل (270 مليون دولار)، ومع ذلك تستطيع اليوم دفع رواتب كاملة لنحو 70% من موظفي القطاع العام.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 يتلقى الموظفون العموميون في فلسطين وعددهم قرابة 146 ألف موظف، أجورا منقوصة، لعدم قدرة الحكومة على توفير كامل فاتورة أجورهم الشهرية.

وعن القضايا المرفوعة أمام المحاكم الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية قال أبو الرّب إن مجموع قيمتها يتجاوز 3.5 مليارات شيكل (950 مليون دولار).

دين كبير

من جهته يقول الخبير والباحث الاقتصادي مؤيد عفانة للجزيرة نت إن الدين العام للسلطة الفلسطينية وهو الرصيد القائم للالتزامات المالية الحكومية غير المسدد والمترتب عليها دفعه تسديدا لالتزاماتها سواء لبنوك محلية أو خارجية أو مؤسسات إقراض، بلغ نهاية أغسطس/آب الماضي نحو 14.5 مليار شيكل (نحو 3.54 مليارات دولار).

أما الأخطر -وفق الباحث الاقتصادي-  فهو التزاماتها تجاه الموظفين والموردين والصناديق المختلفة حيث تبلغ متأخرات القطاع الخاص 1.5 مليار دولار، و1.5 مليار دولار متأخرات للموظفين.

وقال إن السلطة تقترض من صندوق التقاعد وحده -وهو صندوق سيادي الأصل أن يكون مستقلا عن السلطة- نحو 11 مليار شيكل (2.97 مليار دولار).

وتابع أن إجمالي التزامات السلطة الفلسطينية ما بين دين عام ومستحقات موردين ومتأخرات مختلفة للقطاع الخاص والموظفين والصناديق تصل إلى 11 مليار دولار.

توسيع الإيرادات

وفق الباحث الفلسطيني فإنه من الممكن توسيع إيرادات السلطة الضريبية وتحديدا ضريبتي الدخل والقيمة المضافة.

وهنا يشير إلى أن قطاع العمل غير المنظم يشكل أكثر من نصف قطاع العمل في فلسطين وهو غير خاضع للضريبة، فضلا عن التهريب والتهرب الجمركي نتيجة سيطرة إسرائيل على نحو 61% من أراضي الضفة.

ويقول -استنادا إلى تقديرات مختصين- إن عمليات التهريب والتهرب الضريبي تصل إلى 40% من الإيرادات الضريبية.

وتابع أنه بإمكان السلطة أيضا توسيع دائرة الإيرادات عموديا بتوسيع شرائح ضريبة الدخل بما يشمل أصحاب الثروة ولا يمس الشرائح المهمشة.

وأشار إلى توجه لتعديل قانون ضريبة القيمة المضافة وقانون ضريبة الدخل بما يحسن الإيرادات الضريبية، ويقلل التهرب والتهريب الضريبي.

شاركها.
Exit mobile version