باريس- في جو من عدم اليقين والضبابية بشأن نتائج الانتخابات التشريعية في فرنسا، والغموض الذي يحيط بالأغلبية المستقبلية في الجمعية الوطنية، ينتشر القلق بأقصى سرعة في الأوساط الاقتصادية والمالية في البلاد.

فمنذ إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون حل البرلمان مساء الأحد 9 يونيو/حزيران الجاري بعد النتائج التاريخية التي حققها التجمع الوطني بالانتخابات الأوروبية، شهدت البلاد صدمة سياسية واقتصادية أدت إلى ارتفاع أسعار الفائدة على ديون الدولة وانخفاض بورصة باريس.

ويرتبط التراجع المفاجئ في ثقة رجال الأعمال الفرنسيين بالآفاق الاقتصادية بعد نتائج السابع من يوليو/تموز المقبل، بالخوف الناجم عن الوضع السياسي الحالي.

وفي حملات انتخابية خاطفة استمرت 3 أسابيع، تشكلت ائتلافات الكتل الرئيسية الثلاث (حزب التجمع الوطني، والجبهة الشعبية الجديدة، وحزب النهضة) ووضعت الخطوط العريضة لبرامجها الاقتصادية في وقت قياسي.

تفاؤل منخفض

ووفقا لأحدث المشاورات الرئيسية لرجال الأعمال التي أجراها معهد أبحاث السوق “أوبنيون واي” المتخصص في إجراء أبحاث التسويق واستطلاعات الرأي في فرنسا والعالم، انخفض المؤشر الذي يقيس تفاؤل قادة الأعمال بمقدار 9 نقاط في شهر واحد فقط.

وقال 19% فقط من المديرين إنهم واثقون من آفاق الاقتصاد الفرنسي خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وهي نسبة أقل بـ7 نقاط عما كانت عليه في مايو/أيار الماضي.

من جانبه، كشف استطلاع اتحاد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة -الفترة من 20 إلى 24 يونيو/حزيران الجاري- عن المقاييس الرئيسية لمختلف الأحزاب والائتلافات بين قادة الأعمال.

وأجاب 58% من الذين شملهم الاستطلاع أنهم سيؤجلون مشاريعهم الاستثمارية في حالة حصول الجبهة الشعبية الجديدة على أغلبية بمجلس الأمة، وأكد 36% أنهم سيفعلون الأمر ذاته إذا فاز التجمع الوطني، و12% في حالة فوز حزب النهضة وحلفائه بأغلبية.

وبحسب مديري الشركات الصغيرة والمتوسطة الذين أجابوا عن استبيان الاتحاد، فإن نتيجة الانتخابات التشريعية المبكرة سيكون لها تأثير قوي على فرنسا ولكن أيضا على مشاريعهم الخاصة. ويعتبر 78% منهم أن زيادة الإنفاق العام من شأنها أن تؤدي إلى إفلاس البلاد ووضعها تحت إشراف صندوق النقد الدولي.

حالة ترقب

وجعلت نتائج الانتخابات الأوروبية والضبابية المحيطة بالهيئة التشريعية المقبلة الأسواقَ المالية في حالة من الترقب. فعلى سبيل المثال، انخفض مؤشر كاك 40 (مؤشر الأسهم الرئيسي لبورصة باريس) بنسبة 6.42% في الشهر الحالي، وهو أسوأ أداء لها منذ يونيو/حزيران 2022.

وقبل يومين من الجولة الأولى للانتخابات، أقفل مؤشر كاك 40 الرئيسي، أمس الجمعة، على خسارة 0.68%، وهو أدنى مستوى له منذ 25 يناير/كانون الثاني الماضي. ومنذ بداية الأسبوع التالي لحل البرلمان، لوحظ تراجع طفيف في قيمة اليورو مقابل الدولار.

في المقابل، ارتفعت أسعار الفائدة التي تقترض بها الدولة في الأسواق المالية، وبلغت الفجوة بين أسعار الاقتراض الفرنسية والألمانية أعلى مستوى لها منذ عام 2012. وتُعتبر الديون الألمانية الأكثر أمانا في منطقة اليورو.

وقد وضع الخبراء الإستراتيجيون في بنك الاستثمار العالمي والخدمات المالية “سيتي” 3 سيناريوهات لتطور الأسواق استنادا إلى نتائج الانتخابات:

  • السيناريو الأول: التوصل إلى “نتائج حميدة” وعدم اعتبار السياسة المالية قضية كبيرة مع وجود ائتلاف وسطي أو حكومة أقلية بقيادة التجمع الوطني، ويظل احتمالا ضعيفا لا يتجاوز نسبة 20%.
  • السيناريو الثاني: يبلغ احتماله نحو 40%، يعتمد على مبدأ “الإغلاق” حيث تستمر المخاطر المالية وعدم اليقين السياسي. وفي هذه الحالة، إما أن يتم تعطيل البرلمان في غياب أغلبية واضحة أو أن يقود حزب التجمع الوطني حكومة يمكنها تنفيذ بعض وعودها، مع بقاء العجز العام مرتفعا.
  • السيناريو الثالث: تُقدَّر احتمالاته بـ40%، وهو انتصار حكومة “متطرفة” لحزب اليمين أو اليسار ستسعى إلى تنفيذ أغلب تدابيرها وبرامجها، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الدين إلى مستوى أقرب إلى مستوى إيطاليا.

برامج متباينة

أوضح زعيم اليمين المتطرف جوردان بارديلا لقناة “فرانس 2” أن مسألة إلغاء إصلاح نظام التقاعد، الذي اعتُمد في أبريل/نيسان 2023 ويرفع السن القانوني للتقاعد إلى 64 عاما، لم يعد من الأولويات في حملة حزبه الانتخابية بعد أن كان من أوائل معارضيه لفترة طويلة.

وفيما يتعلق بملف الطاقة، يريد التجمع الوطني تخفيض ضريبة القيمة المضافة من 20% إلى 5.5% على منتجات الطاقة (الكهرباء والوقود والغاز) لكنه بعد أن اقترح التفاوض على إعفاء من سوق الكهرباء الأوروبي ليكون قادرا على تنفيذ سقف للسعر، وقام بسحب هذا الاقتراح خلال الحملة.

ويريد تحالف الأحزاب اليسارية تجميد أسعار السلع الأساسية مثل بعض المنتجات الغذائية والطاقة والوقود، فضلا عن زيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار 200 يورو واقتراح زيادة بنسبة 10% في نقطة المؤشر لموظفي الخدمة المدنية.

وبالنسبة للتدابير التي اقترحها المرشحون في برامجهم الانتخابية، فقد أعلن اللاعبون الاقتصاديون، بأغلبية ساحقة (82%) عدم تأييدهم لتطبيق الحد الأدنى للأجور بصافي 1600 يورو شهريا والتخفيض العام في وقت العمل الأسبوعي القانوني إلى 32 ساعة.

وبحسب استطلاع معهد أبحاث السوق “أوبنيون واي” أعرب 41% من أصحاب الشركات والمشاريع عن استعدادهم لاتخاذ إجراءات جذرية. ولن يكون أمام أكثر من واحد من كل 10 رواد أعمال (14%) خيار سوى التوقف عن نشاطهم، بينما سيقوم 3 من كل 10 (27%) بتسريح جزء من موظفيهم لإنقاذ أعمالهم.

وإذا قَبل نصفهم ببرامج الأحزاب، قد يؤدي ذلك إلى التضخم بتمرير هذه الزيادة في الأجور إلى أسعار البيع، وسيكون مدير واحد فقط من كل عشرة قادرا على استيعاب هذه التكلفة الإضافية في هوامش أرباحه.

شاركها.
Exit mobile version