الرباط– “لم تعد اللحوم الحمراء حاضرة على مائدتنا كما كانت سابقا” تقول خديجة ماحي للجزيرة نت، وهي تشتكي من غلاء أسعار اللحوم أثناء مرورها قرب جزار الحي عائدة من التسوق.

وتقول ماحي، للجزيرة نت، إن اللحوم بشتى أنواعها عنصر رئيسي على المائدة المغربية، لكنها اضطرت أمام غلاء الأسعار إلى تخفيض استهلاكها.

وتشير إلى أنها استغنت عن شراء اللحوم الحمراء بسبب غلائها، وبدأت تكتفي باللحوم البيضاء فقط، خاصة الدجاج، لكن أسعار هذه الأخيرة ارتفعت أيضا، وتضيف “كنت أذهب إلى السوق الأسبوعي وآخذ كفايتي من اللحوم، حوالي 2 كيلو للأسبوع، لكن اليوم حاليا أكتفي في الأسبوع بنصف كيلو فقط”.

وتراوحت أسعار اللحوم الحمراء في العاصمة الرباط ما بين 130 و150 درهما (ما بين 13 و15 دولارا) للكيلوغرام الواحد مقابل 70 أو 75 درهما (7 أو 7.5 دولارات) سابقا، ما جعل الحكومة تقرر اتخاذ عدة تدابير للحفاظ على استقرار الأسعار.

وقدمت الحكومة منذ شهور دعما لمستوردي الأبقار والخرفان لضمان تموين الأسواق المغربية، لكن ذلك لم يكن كافيا لوقف الغلاء.

وتضمن مشروع موازنة 2025 دعما لاستيراد اللحوم على الشكل التالي:

  • الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة للاستيراد.
  • ووقف استيفاء رسوم الاستيراد المطبقة على الحيوانات الحية من فصيلة الأبقار والأغنام والماعز والجمال وعلى اللحوم الحمراء.
  • إضافة إلى الاستمرار في دعم الأعلاف.

الاستيراد من عدة دول

وآخر هذه التدابير ما أعلنه المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بخصوص السماح باستيراد اللحوم الحمراء الطازجة والمجمدة من الأغنام والماعز من عدة دول.

وشملت لائحة البلدان المسموح استيراد اللحوم الحمراء منها كلا من ألبانيا، والأرجنتين، وأستراليا، وكندا، وتشيلي، وبريطانيا، ونيوزيلندا، وصربيا، وسنغافورة، وسويسرا، والأوروغواي، وأندورا.

وفيما يتعلق باللحوم المجمدة أو المبردة من فئة العجول والأبقار، أضاف المكتب وجهات أخرى إلى البلدان المذكورة سابقا هي: أوكرانيا، والبرازيل والباراغواي.

ووفق القرار فإن لائحة البلدان المعلنة يمكن تعديلها في حالة وجود خطر صحي يضر بالإنسان أو الحيوان، قد يكون ناجما عن عملية الاستيراد.

واشترط أن تكون جميع اللحوم المستوردة مرفقة بشهادة صحية صادرة عن الجهات المختصة في بلد المنشأ، وشهادة (الحلال)، مع ضرورة توفر مخازن للحوم لكل مستورد.

استقرار الأسعار

واعتبر رئيس الجامعة الوطنية لحقوق المستهلك بوعزة الخراطي أن قرار استيراد اللحوم الحمراء الطازجة هو اعتراف بالنقص المسجل في الأسواق المغربية ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

وقال للجزيرة نت إن المستهلك كان يغير استهلاك نوع اللحم حسب أسعارها، وكلما ارتفع سعر نوع التجأ إلى نوع آخر، إلا أنه الآن ليس له مفر إلا العدول عن استهلاك اللحوم الحمراء، وانتظار نتائج مبادرة الحكومة بالاستيراد لتوفير لحم في متناول قدرته الشرائية.

وأوضح أن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك طالبت الحكومة باتخاذ إجراءات للتحكم في توزيع اللحوم المستوردة، وتوجيه اللحوم المجمدة للمطاعم وللمساحات الكبرى، كما دعا إلى تطبيق عقوبات ضد المخالفين.

من جهته، يرى هشام الجوابري، الكاتب الجهوي لتجار اللحوم الحمراء بالجملة بمجازر الدار البيضاء وعضو الفدرالية المغربية للفاعلين في قطاع المواشي، أن أسعار اللحوم الطازجة المستوردة إذا كانت محفزة ومشجعة ومناسبة فإنها ستكون في صالح المستهلك.

ولفت المتحدث، في حديث مع الجزيرة نت، إلى أن الحكومة قامت بعدد من التدابير من أجل ضمان تموين الأسواق باللحوم وتخفيض الأسعار.

وقال “إذا لم يؤدِّ القرار الأخير المتعلق باستيراد اللحوم الطازجة إلى تخفيض الأسعار وعودتها إلى ما كانت عليه، سيؤدي على الأقل لاستقرارها”.

وأوضح أن هذا الإجراء إلى جانب استيراد الأبقار والأغنام الحية والقطيع الوطني سيمكّن من تنويع العرض في السوق، ما سيساهم في وفرة اللحوم الحمراء بالبلاد، وأضاف أنه سيساهم في التخفيف من استنزاف القطيع المحلي، الذي تضرر جزئيا بسبب سنوات الجفاف المتتالية.

ولا يعتقد رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز عبد الرحمن المجدوبي أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء يرتبط فقط بتضرر القطيع، بل في نظره أن السبب أساسا يعود لغلاء المدخلات ويقصد بها الأعلاف بصفة عامة والأعلاف الخشنة بصفة خاصة، التي لم تعد متوفرة بسبب سنوات الجفاف المتتالية.

وأضاف، في حديث للجزيرة نت، أنه لولا استمرار الحكومة في دعم الأعلاف لكانت الأسعار أكثر مما هي عليه حاليا.

ولفت المتحدث إلى أن التلاعب بالأسعار ساهم أيضا في هذا الوضع، مشيرا إلى أن السعر يرتفع ما بين السوق والبائع بالتقسيط بحوالي 30 درهما (أي 3 دولارات) متسائلا “بماذا نفسر أن سعر اللحوم الحمراء في الأسواق الأسبوعية في القرى والمدن الصغيرة يبلغ 100 درهم وفي المدن 140، وفي المساحات الكبرى يصل إلى 160 درهما؟”.

مخاوف وتطمينات

وتراود عدد من الفاعلين مخاوف تتعلق بتحكم كبار المستوردين في الأسعار في السوق والاحتكار في تكرار لسيناريو دعم استيراد الماشية الذي اتخذته الحكومة ولم يكن له تأثير على أسعار اللحوم.

ووجّهت النائبة البرلمانية فدوى محسن الحياني عن حزب الحركة الشعبية المعارض سؤالا كتابيا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بخصوص قرار المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية استيراد اللحوم الطازجة المجمدة والباردة ضمنته هذه المخاوف، وقالت البرلمانية إن استيراد الأبقار والأغنام في وقت سابق لم “ينعكس إيجابا على المستهلك” بعد أن اقتصرت العملية على فئات معينة من المستوردين والتجار الكبار.

وتساءلت البرلمانية عن أوجه المراقبة المعتمدة، حتى لا تتعرض هذه اللحوم المجمدة للاحتكار والتدابير، المتخذة لتشديد المراقبة تفاديا لأية تجاوزات في الأسعار المقننة، والإجراءات الخاصة بمراقبة الجودة والصلاحية الزمنية للحوم المجمدة.

ونبه عبد الرحمن المجدوبي للأمر نفسه، حيث اعتبر أن فتح المجال لاستيراد اللحوم الطازجة من شأنه تعزيز تموين السوق من هذه المادة الحيوية، وسيحافظ على استقرار الأسعار، لكنه أبدى خشيته من تكرار سيناريو الاحتكار والتحكم في السوق الذي مارسه مستوردو الحيوانات الأليفة الحية من أبقار وأغنام، داعيا المستوردين إلى التحلي بالروح الوطنية في هذه الظروف، ومراعاة القدرة الشرائية للمغاربة، وعدم الجري وراء الأرباح الضخمة.

من جانبه، قال مصطفى بايتاس الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، خلال لقاء مع الصحفيين عقب المجلس الحكومي الأخير، إن الحكومة واعية بإشكالية اللحوم الحمراء.

وعزا بايتاس ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في السوق المغربية إلى وضعية القطيع المحلي من المواشي الذي عرف تراجعا مقارنة بالسنوات الماضية.

بناء القطيع الوطني

وأوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة أنها تشتغل لمعالجة هذا الموضوع وفق منهجيتين، الأولى تتعلق ببناء القطيع الوطني من جديد، والمنهجية الثانية هي توفير العرض لتخفيض الأسعار.

وقال إن الحكومة صادقت على 4 مراسيم تهم تسهيل استيراد اللحوم الحمراء وفق دفاتر تحملات ومساطر متعارف عليها، واستيراد الحيوانات الأليفة بما فيها الأبقار عبر وقف استيفاء الرسوم المفروضة عليها، وذلك بهدف توفير العرض من اللحوم الحمراء بما يضمن تخفيض أسعارها.

بدوره، يؤكد عبد الرحمن المجدوبي على ضرورة التعويل على القطيع الوطني، لأنه الحل الوحيد في نظره لتحقيق الأمن الغذائي في المملكة، إلى جانب أنها تشغل 5 ملايين شخص.

ولفت إلى أن التساقطات الأخيرة التي شهدتها المملكة أعادت الحياة للمراعي من بوعرفة شرقا إلى طانطان جنوبا، ما ينبئ بأن قطيع الماشية الوطني سيستعيد عافيته في غضون عام.

شاركها.
Exit mobile version