إسطنبول- يفتتح الاقتصاد التركي عام 2025 عند نقطة تحول فارقة، في ظل محاولاته لتجاوز أزمات السنوات الماضية واستعادة توازنه.

ووسط تحديات داخلية وضغوط خارجية يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لتركيا تحويل هذه التحديات إلى فرص حقيقية لإعادة صياغة مسارها الاقتصادي وتحقيق انتعاش مستدام؟

نظرة على 2024

اختتم الاقتصاد التركي عام 2024 بأرقام قياسية وإنجازات اقتصادية لافتة رغم التحديات المحلية والعالمية، وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام أن الاقتصاد التركي شهد نموا متواصلا على مدار 17 ربعا، مسجلا معدل نمو بنسبة 2.1% في الربع الثالث من العام، في حين بلغ معدل النمو خلال الأشهر التسعة الأولى نحو 3.2%، مما يعكس استمرار الأداء الاقتصادي الإيجابي.

وأضاف الرئيس التركي أن حجم الاقتصاد الوطني ارتفع من 1.13 تريليون دولار في 2023 إلى 1.26 تريليون دولار بالحساب السنوي خلال الربع الثالث من 2024، كما توقع أن يتجاوز دخل الفرد 15 ألف دولار وأن يصل إلى 17 ألفا بحلول 2025.

وأكد أردوغان أن انخفاض معدل التضخم -الذي بلغ 44.38% على أساس سنوي في ديسمبر/كانون الأول الماضي- يعكس نجاح السياسات الاقتصادية المطبقة.

وشهد عجز التجارة الخارجية انخفاضا كبيرا في 2024، إذ تراجع من 106.3 مليارات دولار في 2023 إلى 82.2 مليارا بفارق 24 مليارا دولار.

وأوضح أردوغان أن الصادرات التركية إلى الاتحاد الأوروبي زادت بنسبة 4.2% لتصل إلى 108.7 مليارات دولار، في حين ارتفعت صادراتها إلى دول منظمة التعاون الإسلامي بنسبة 6.1%، مسجلة 70.1 مليار دولار.

وتصدرت المملكة المتحدة والولايات المتحدة والسعودية قائمة الدول الأكثر زيادة في قيمة الواردات من تركيا خلال 2024 بارتفاعات بلغت 22.2%، 9.9%، و52% على التوالي.

وأعلن البنك المركزي الشهر الماضي خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 250 نقطة أساس ليصبح 47.5% بعد فترة طويلة من تثبيت السعر عند 50%، مما فُسّر بأنه إعلان لبداية دورة تخفيض مستمرة بالنظر إلى إعلان البنك المركزي تقليص عدد اجتماعات لجنة السياسة النقدية من 12 اجتماعا إلى 8 عام 2025.

قصة نجاح

وأكد كريستيان ويتوسكا مدير أبحاث منطقة أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا في دويتشه بنك أن عام 2025 سيكون بمثابة “نقطة تحول” بالنسبة للاقتصاد التركي، مشيرا إلى أن تركيا لديها “قصة نجاح رائعة” رغم استمرار حالة من عدم اليقين الاقتصادي.

وفي تصريحات صحفية، أوضح ويتوسكا أن زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة تفوق 30% ستجعل السيطرة على التضخم أكثر صعوبة، إذ إن كل زيادة بنسبة 10% في الحد الأدنى للأجور تؤدي إلى رفع التضخم بنحو 3 إلى 3.5%.

A vendor sells potatoes and other vegetables to a customer in an open market in central Ankara February 5, 2014. The humble potato has become a factor in Turkey's political and economic turmoil as prices of the staple soar, hurting the living standards of poorer Turks just before the ruling AK Party's toughest election test in a decade. At a market in the lower-income Istanbul suburb of Kucukcekmece, potatoes sell for between 3 and 4 lira ($1.33 and $1.77) a kilogram, up from slightly more than 1 lira at about this time last year. REUTERS/Umit Bektas (TURKEY - Tags: POLITICS BUSINESS FOOD)

وفي السياق، أكد وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك أن عام 2025 سيكون محوريا لتحقيق أهداف الإدارة الاقتصادية التي تسعى لتسريع خفض التضخم إلى مستويات أكثر وضوحا وتسريع الإصلاحات الهيكلية اللازمة لدعم الاقتصاد.

وخلال كلمته في فعالية “تقييم 2024 وتوقعات 2025” -التي نظمتها جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين الأربعاء الماضي- أوضح شيمشك أن الحكومة تسير بخطى ثابتة ضمن برنامجها الاقتصادي.

وأضاف أن الهدف لعام 2025 هو خفض التضخم إلى نحو 20%، تمهيدا للوصول إلى مستويات أحادية الرقم خلال السنوات القادمة.

وأشار شيمشك إلى أن استقرار أسعار السلع الأساسية وانخفاض التضخم العالمي المتوقع استمراره هذا العام يوفران بيئة داعمة لتحقيق هذه الأهداف.

وأوضح أن السياسات التجارية الجديدة للإدارة الأميركية المقبلة قد تؤثر على تركيا بسبب التغير المحتمل في مسار الصادرات الصينية.

ومع ذلك، شدد شيمشك على أن الهيكل الاقتصادي التركي يتمتع بمرونة كبيرة، خاصة أن 62% من الصادرات التركية تتجه إلى دول لديها اتفاقيات تجارة حرة مع تركيا، مما يجعلها أقل تأثرا بالتحولات العالمية.

واختتم شيمشك حديثه بالتأكيد على أن الإصلاحات الهيكلية، وتحقيق الاستقرار المالي، وزيادة الاحتياطيات، وتخفيض العجز في الحساب الجاري ستكون الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي المستدام في عام 2025.

برنامج اقتصادي

وأعلنت الحكومة التركية في سبتمبر/أيلول الماضي برنامجها الاقتصادي الجديد للفترة الممتدة بين عامي 2025 و2027، وحدد البرنامج هدفا طموحا لخفض معدل التضخم إلى 41.5% بحلول نهاية عام 2025، مع توقع أن ينخفض إلى9.7% بحلول عام 2026.

ورغم تحديد الحكومة عبر برنامجها الاقتصادي هدف 4% لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2025 بدت التوقعات الدولية أكثر تحفظا، إذ توقع صندوق النقد الدولي نموا بمعدل 2.7% مقابل 2.6% توقعات البنك الدولي التي جاءت مطابقة لتوقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وأشار البرنامج إلى أن نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي ستبلغ 3.1% في عام 2025، مما يعكس التزام الحكومة بتحقيق توازن مالي مستدام.

أما فيما يخص سوق العمل فمن المتوقع أن ترتفع نسبة البطالة بشكل طفيف إلى 9.6% في عام 2025 نتيجة عملية إعادة التوازن الاقتصادي، قبل أن تنخفض تدريجيا إلى 9.2% في عام 2026 و8.8% بحلول عام 2027.

وفيما يتعلق بسعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية، توقع البرنامج أن يبلغ متوسط سعر صرف الدولار 42 ليرة في عام 2025.

ومع ذلك، جاءت تقديرات المؤسسات المالية متباينة، إذ توقع البنك المركزي التركي أن يصل المتوسط إلى 43.2 ليرة، في حين قدم كريدي أغريكول تقديرا أكثر تفاؤلا عند 36 ليرة.

التضخم أولوية

بدوره، يرى المحلل الاقتصادي بلال بغيش أن التضخم لا يزال يمثل الأولوية القصوى للاقتصاد التركي، إذ يرتبط بشكل مباشر باستدامة النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل بشكل عادل.

ويلفت بغيش في حديثه للجزيرة نت إلى أن السياسات التجارية المحتملة للولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب -مثل فرض رسوم جمركية مرتفعة- قد تؤدي إلى ارتفاع طفيف في معدلات النمو والتضخم على الصعيد العالمي، كما أن أسعار الفائدة العالمية -خاصة في الولايات المتحدة- من المرجح أن تظل مرتفعة، مما يسبب ضغطا إضافيا على الاقتصادات الناشئة، ومنها تركيا.

أما على صعيد التجارة فيلفت الباحث إلى مشكلة اختلاف العملات، إذ تعتمد تركيا على استيراد المواد الخام بالدولار وتصدير منتجاتها باليورو.

ويرى أن التغيرات في سعر صرف اليورو مقابل الدولار تؤثر سلبا على عوائد الصادرات التركية، مما يزيد تعقيد المشهد الاقتصادي.

ويعتبر بغيش أن السياسات المالية والنقدية الأخيرة أثمرت عن نتائج إيجابية، إذ نجحت في تقليص العجز في الحساب الجاري وزيادة الاحتياطيات النقدية، مما أسهم في استقرار العملة، مشيرا إلى أن تركيا حققت معظم أهداف البرنامج الاقتصادي متوسط الأجل، وهو إنجاز يحسب لصناع القرار.

ومع ذلك، يحذر بغيش من أن تخفيض أسعار الفائدة قد يؤدي إلى تضخم جديد في الطلب إذا لم يتم التحكم به بعناية، ويشدد على أن الإصلاحات الهيكلية يجب أن تبقى في صدارة الأولويات، لأن النجاح في خفض التضخم واستقرار الاقتصاد لا يكتمل دون معالجة القضايا الهيكلية العميقة التي تعيق الإنتاجية.

ويقول بغيش إن عام 2025 قد يشكل منعطفا إيجابيا لتركيا إذا أحسنت استغلال الفرص المتاحة، ويرى أن استقرار الأوضاع في سوريا وعودة اللاجئين قد يساعدان في تخفيف الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على تركيا، ويفتحان المجال لإعادة توجيه الموارد نحو التنمية.

ويخلص بغيش إلى أن تسريع التحول الهيكلي ودعم السياسات الإصلاحية سيكونان المفتاح لتحقيق اقتصاد مستدام ومستقر في العام المقبل، مما يجعل 2025 فرصة حقيقية لإعادة صياغة المشهد الاقتصادي التركي.

شاركها.
Exit mobile version